غزة.. حرب إبادة بدعم عربی!

 لم تحمل الأخبار القادمة من قطاع غزة طوال الأسبوع الماضى أى بشرى بفک محنة نحو ملیون ونصف الملیون من الفلسطینیین یخضعون منذ أکثر من عامین إلى حصار قاتل، اشتد خناقه علیهم خلال الأشهر الأخیرة تحت یافطة التضییق على حماس والفصائل المقاومة، والمؤلم فى الصورة أن أطرافا فلسطینیة تدعمه وتحرّض علیه وتشترک فیه دول عربیة بحماس غریب.

ورغم التحذیرات هنا وهناک من تفاقم مأساة إنسانیة لا تطاق فى غزة، إلا أن الرموز الفلسطینیة والعربیة "المعتدلة" المنخرطة فى الحصار مازالت تنتظر واهمة أن تتجسد مقررات مؤتمر أنابولیس للسلام على الأرض، وکأن أرواح الفلسطینیین الذین یستشهدون یومیا بفعل القتل الإسرائیلى المنظم، إما بالغارات أو بالحواجز أو بمنع الدواء وإفراغ المستشفى الیتیم من مقومات التداوى البدائیة.

لیس خافیا أن النتائج الحقیقیة لمؤتمر أنابولیس ومتعلقاته بدأت تتجسد فى غزة ومناطق من الضفة الغربیة، من ذلک سقوط أکثر من ثلاثین شهیدا فى أسبوع، نفاد الوقود من المحطات، مرضى وعجزة یلقون ربهم على المعابر والبوابات، حجیج یمنعون من الذهاب إلى أداء مناسکهم "لو لا شهامة مصر"، والقادم سیکون أفدح حین ینفذ وزیر الحرب الإسرائیلى ایهود باراک تهدیده ویزج بجیشه فى القطاع لارتکاب مذبحة جدیدة تضاف إلى سجل جرائم الحرب الإسرائیلیة.

وبالوقائع الحیة لا أحد یمکنه أن یشک فى أن ما یتعرض له الفلسطینیون فى غزة هو حرب إبادة تشن بلا هوادة على أکثر من جبهة، وفى الوقت الذى تحشد فیه إسرائیل دباباتها وتواصل غاراتها عبرت منظمة الصحة العالمیة فى أحدث تقریر لها عن القلق من تدهور الأوضاع الصحیة فى غزة، مشیرة إلى أن "الخدمات الصحیة مستمرة فى التدهور"، ولا یظن أحد أیضا أن هذا التدهور ناتج عن انسحاب حرکة فتح من القطاع أو سیطرة حماس علیه، بل هو جراء سیاسة العزل الإسرائیلیة التى تحظى بغطاء أمریکى وغربى وعربی.

الحالمون بنیل الحقوق الفلسطینیة والعربیة بالتمنی، واللهاث خلف المؤتمرات والمنتجعات سیکتشفون فى نهایة المطاف أنهم کانوا یطاردون سرابا ویشترون وعودا جوفاء، لأن من یفاوضونهم على استرداد حقوقهم لیسو إلا مجرمى حرب بالجملة والتفصیل ولا یمکن أن یتنکروا لماضیهم فجأة وتلین قلوبهم وتتغیر قناعاتهم.

إن الاختراق الذى ینبغى على القوى الحیة فى الأمة أن تنجزه الآن انتصارا للقضیة الفلسطینیة وبالذات لإنقاذ غزة من الموت البطیء هو أن یعید إلى صدارة الأحداث قضیة الوحدة الفلسطینیة لا التطبیل لأنابولیس وانتظار عودة المفاوضات والتنسیق الأمنى دون أفق حتى بمنطق الاستسلامیین..

قوة الفلسطینیین فى وحدتهم وتلاحمهم، ذلک هو المبدأ والمنتهى، وما سواه خسران وفوضى، ونجاح لإسرائیل وأعداء الأمة، وهذه الحقیقة تعلمها مختلف القیادات الفلسطینیة حق العلم وتعرف شروطها ومکتسباتها، وربما کانت الدعوة التى وجهها أمس إسماعیل هنیة رئیس الحکومة المقالة فى غزة المحاصرة إلى الرئیس محمود عباس فى رام الله المحاصرة أیضا، بارقة أمل ولدت فى اللحظة المناسبة لفتح صفحة جدیدة بین الحرکتین، وقد جاءت فى ضوء الحدیث عن استئناف السعودیة ومصر لوساطتهما بین الحرکتین، بعدما اکتشف الجمیع خسارة الطرفین معا فى ظل الفتنة.

ویراهن الکثیر من العرب على أدوار کل من الریاض والقاهرة لإعادة حماس وفتح إلى الحوار وتشریک الفصائل الأخرى والشخصیات الفلسطینیة المستقلة فى لقاءات موسعة وشاملة من أجل الوصول إلى خیار وطنى یتجاوز المحاصصة والمصلحة الحزبیة.

حل القضیة الفلسطینیة التى غرق أبناؤها فى المعارک الصغیرة لا یمکن أن یتم دون عمق عربی، وهذا ما یجب أن یفهمه الذین یسافرون غربا أو الذین یسافرون شرقا..

الذین بحثوا عن حل فى أنابولیس یضع الأوراق فى سلة واشنطن مخطئون، لأن الفلسطینیین فى سیکونون مدادا للعبة دولیة.

الحل داخل المؤسسات الفلسطینیة المعطّلة وبید الشخصیات الفلسطینیة المحایدة التى تخاف الله فى أمتها وتضع فى الحسبان قضایا اللاجئین والأسرى والأرامل والثکالى ولا تفکر فى حکم غزة المحاصرة ولا رام الله التى تمتلئ بالجواسیس والمخبرین الصهاینة.

فمتى یکف العرب عن الصمت ویراهنوا على قدرتهم على التأثیر فى قضایاهم وبین أمتهم حتى یحترمهم الآخرون بعد ذلک؟.

( المقال للعرب اللندنیة)

ن/25