الجمعه 19 رمضان 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

من مصر "الناصریة" الى ایران "الإسلامیة"

 کتب الدکتور عمر عبد الهادی  :

فی الثالث والعشرون من تموز 1952 أعلن قیام أول جمهوریة مکان المملکة المصریة وأعلن القائد جمال عبد الناصر رئیسا للجمهوریة منهیاً بذلک عهدا ملکیا کان قد بدأه محمد علی باشا فی عام 1805 الذی ترسخ حکمه فی العام 1811 بعد قضائه على جمیع من تبقى من الممالیک فی مذبحة کبرى أطلق علیها مذبحة القلعة.

 لقد نجح جمال عبد الناصر برفقة الضباط المصریین الأحرار بالإطاحة بالملک فاروق فجعلوا منه آخر ملوک مصر وبذلک وضعوا نهایة لحکم أسرة محمد علی للمحروسة مصر. فی عام 1948 سلبت فلسطین من شعبها وهزمت العرب ثم قامت دولة اسرائیل وسمی العام المذکور بعام النکبة، لکن الجماهیر العربیة وجدت فی انتصار الثورة المصریة البیضاء انتصارا لجمیع العرب وبدایة جادة من أجل النهوض القومی لغسل عار الهزیمة فی فلسطین ولسلوک درب التحریر والوحدة التی رفعت رایتها آنذاک الثورة المصریة الناصریة، لقد أسرت شعارات عبد الناصر قلوب الأحرار من ابناء الوطن العربی وأحیت الأمل فی نفوسهم وجعلتهم یعتبرون عام 1952 عام خیر یؤسس لوحدتهم ولنهضة تخلصهم من هوان لحق بهم فی عام النکبة.

نجح جمال عبد الناصر فی استقطاب إهتمام الجموع العربیة حول الشعارات الثوریة والوحدویة والتحریریة التی رفعتها ثورة 23 یولیو وقبلت العرب جمالا قائدا لها متجاوزة قیاداتها المحلیة أی متجاوزة ملوکها ورؤسائها ومنحته توفیضا کی یمثلها وینطق بإسمها دون العودة لحکامها متحملة بذلک عبء التصادم مع الحکام ومضحیة بالغالی والنفیس جراء هذا الخیار الوطنی والقومی، ربما لأنها أی الجماهیر کانت تواقة للوحدة والأخذ بالثأر وصنع الإنتصارعلى أعدائها من الإسرائیلیین والغربیین الذین غدروا  بالأمة العربیة وتآمروا علیها وسلبوها ترابا غالیا ومقدسا وقسّموا البلاد الى کیانات هزیلة وفقا لإتفاقیة "سایکس بیکو" التی التقطها وعمل بها وکرسها أولئک الذین أصبحوا فیما بعد ملوکا وحکاما لتلک الکیانات المقسمة والمقزمة.

دام حکم عبد الناصر لبلاده ثمانیة عشر عاما وبوفاته فی عام 1970 انتهى العهد الناصری الذی تخللته انتصارات کبرى وإخفاقات کبیره وکانت الهزیمة فی حرب العام 1967 واحدة من أقسى وأخطر النکسات التی واجهت العرب لکن رغم خسارة الضفة الغربیة وسیناء والجولان جرّاء تلک الحرب أبقت الجماهیر العربیة على ثقتها الکاملة فی جمال عبد الناصر وجددت تمسکها به قائدا لها ورفضت بحرارة تنحیته عن قیادتها وطالبته بتجمیع القوى من أجل الثأر وتحقیق الإنتصار.

غادرنا جمال عبد الناصر فغادرت معه الأحلام العربیة فی التحریر والوحدة ذلک لأنه کان فردا حاکما ولم یصنع مؤسسة حاکمة فتمکن خلفه من أدارة البوصلة 180 درجة فی الإتجاه المعاکس ومن جدید طعنت الشعوب العربیة فی ظهرها کما حدث فی النکبة (1948) وسلّم مصیر العرب الى امیرکا بنسبة 99% وهرولت انظمتنا مسرعة نحو التحالف مع امیرکا واسرائیل ضاربة بعرض الحائط آمال الأمة، ظنا منها انها بهذا تبقی على کراسیها وتصونها.

فی عام 1979 انتصرت الثورة الإسلامیة فی ایران بقیادة رجل الدین المجاهد روح الله الخمینی ( رض ) فأطاحت الثورة بالشاه محمد رضا بهلوی وأنهت بذلک حقبات من الحکم الإمبرطوری أو الملکی لایران دام لعدة قرون. لم یرتکب الخمینی نفس الخطأ الذی وقع فیه عبد الناصر فأرسى حکما مؤسساتیا یقوم عموده الفقری على دستور مستوحى من تعالیم الإسلام تم إقراره من قبل الشعب الإیرانی ثم أجریت إنتخابات حرة مباشرة  احتکمت للدستور ولصنادیق الإقتراع لاختیار ممثلین وزعماء للأمة، وتکررت هذه الإنتخابات مرات عدیدة فی مواعیدها التی ینص علیها الدستور وبذلک قامت دولة ایران الإسلامیة على مؤسسات شعبیة جمیعها منتخبة من قبل الجماهیر نذکر منها مجلس الشورى المنتخب (البرلمان) ومجلس الخبراء المنتخب والذی یختار من بین أعضائه "الولی الفقیه" الذی یعتبر المسؤول الأول فی الجمهوریة لکنه یبقى خاضعا للمراقبة وقابلا للعزل من قبل مجلس الخبراء، کما وتم اختیار رئیسا للجمهوریة الإسلامیة بالإنتخاب المباشر، وقد تکررت هذه الإنتخابات الرئاسیة لعدة دورات ونذکر أیضا الانتخابات الدوریة المباشرة لإختیار أعضاء جمیع المجالس البلدیة والقرویة.

فی العام 1989 توفی الإمام الخمینی ( رض ) بعد أن حکم بلاده عشرة سنوات أی ان عبد الناصر دام فی الحکم اکثر منه بثمانیة اعوام، لقد انجز الخمینی فی سنواته العشره ما عجز عن انجازه عبد الناصر فی سنواته الثمانیة عشر، لقد ورّث الخمینی لخلفه حکما اسلامیا دیموقراطیا یقوم على مؤسسات راسخة أما عبد الناصر فلم یورث سوى حکما عربیا فردیا یفتقر للمؤسسات وللحکم الجماعی، بعد الخمینی حافظ النظام فی ایران على ثورته ودولته ثم تعمّق وتعملق وبعد عبد الناصر خسر النظام فی مصر ثورته ودولته ثم تهدّم وتقزّم. حمل الرجلان مبادیء سامیة وخدم الرجلان بلدیهما بصدق وایمان ونالا کلاهما محبة وتقدیرا من شعوبهم ومن الجماهیر  العربیة والمسلمة لدرجة کادت تبلغ التقدیس لکن البقاء والنماء کان من نصیب الثورة الایرانیة الخمینیة ربما للأسباب التی اتینا على ذکرها.

تنظر الشعوب العربیة والمسلمة الیوم لایران بأکثر من منظار فمن مناصر لها ومؤید بلا تحفظ أو تردد (یشکلون الأکثریة الشعبیة) الى متوجّس أو معاد  بلا هوادة  (خاصة فی الأوساط الحاکمة) ولکل تفسیراته، وقد فاجأت ایران أصدقائها وأعدائها فی العالمین العربی والغربی بملفها النووی وبإصرارها المثیر للإعجاب على حقها فی امتلاک الدورة الکاملة للتقنیة النوویة السلمیة بما فیها تخصیب الیورانیوم ثم وقفت بعناد تحسد علیه تتحدّى الإستکبار الأمیرکی والغربی والإسرائیلی بعد أن طورت بنجاح مقدرتها التقنیة والصناعیة والعسکریة استعدادا لای طاریء ولنا ان نذکر لکن لیس على سبیل الحصر بعضا من انجازاتها الصناعیة العسکریة المتطورة مثل الطائرات المقاتلة والقنابل الذکیة والصواریخ البالستیة متوسطة المدى والطوربیدات والغواصات والبارجات البحریة. ولا بد من ذکر القذائف المضادة للدروع التی استعملها حزب الله بنجاح ضد دبابات "المیرکابا" الإسرائیلیة أثناء العدوان الإسرائیلی على لبنان صیف العام 2006.

لقد حاولت اسرائیل وامیرکا مستعینتان ببعض العرب والمسلمین السائرین فی فلکهما تشویه سمعة ایران وذلک بإلقاء تهم عرقیة ومذهبیة علیها کیف لا وایران تدعو الى تفکیک دولة اسرائیل وتدعو الى طرد الغرباء من اقلیمنا العربی الإسلامی لکی تکون ثرواته وأمنه فی ید ابنائه کی یتمکنوا من صنع استقلالا حقیقیا لأوطانهم ولا یتحقق ذلک إلا بکنس الإحتلالین الأسرائیلی والأمیرکی (المباشر وغیر المباشر) اینما وجدا من جاکرتا حتى الرباط.

لم یعد ممکنا لأعداء الحریة والإستقلال أکانوا من ابناء جلدتنا أم من الغرباء مواصلة مؤامراتهم على شعوبنا الحرة لأن قطار الحریة انطلق فی سکة النور وشمس الإنعتاق من الإستکبار والظلم بزغت وتجذر شعاعها فی نفوس ابناء الأمة.

( المقال للکاتب الاردنی  الدکتور عمر عبد الهادی إستلمته الوکالة من الکاتب  )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 140835







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. المخابرات الإسرائيلية: إسرائيل قد لا تكون قادرة على تدمير حماس
  2. اصابة 3 مستوطنين بعملية إطلاق نار على حافلة شمال أريحا
  3. الخارجية الإيرانية تدعو الاوساط الدولية لوقف الممارسات الجنونية للصهاينة
  4. تجمع قرآني حاشد بطهران تنديدا بالعدوان الصهيوني على غزة
  5. امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني يستقبل اسماعيل هنية وزياد النخالة
  6. خلال استقباله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.. الرئيس الإيراني: الجمهورية الاسلامية تعتز وتفخر بدعمها للقضية الفلسطينية
  7. وزارة الصحة بغزة: 32490 شهيدًا و 74889 إصابةً منذ السابع من أكتوبر
  8. في اليوم الـ 173.. قصف "عنيف" على رفح وتدمير "مكثف" للمنازل السكنية بغزة
  9. اليمن يدشن عاشر أعوام الصمود بست عمليات ضد ثلاثي الصهيونية في البحر والبر
  10. دعمًا للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة.. حزب الله يستهدف 10 مواقع للاحتلال الصهيوني بالصواريخ والأسلحة المناسبة
  11. قياديان في حركتي الجهاد وحماس: اسرائيل فشلت في العدوان / أبدينا مرونة في المفاوضات لكن لا تراجع عن ثوابتنا
  12. تحت شعار "طوفان الاحرار".. اقامة يوم القدس العالمي هذا العام
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)