" مُعاقو فلسطین ".. إذا تکلمت الإرادة صمت المستحیل ...

بقلم / غسان مصطفى الشامی

* أَرأیت یوماً أن الصَمتَ یَتکلم والجُرحَ یَتأَلم والحُزنَ یَتَبسم .. هَل سَمعت أَن الکَون بهولِهِ یَتحَرک و اللِسان المُعَقدِ یَترنَم متفوهاً بأجملِ الکَلمات وأَرقِ وأَعذَبِ الأَلحان... هَل تَخیلت یوماً أن تُطرَب لصوتٍ یَخرجُ بلا نَبراتٍ ولا حَرکاتٍ ساکناً سکونَ اللیل فی سباته العَمیق ... هل تَصورت کَلماتٍ بدونِ حُروفٍ تَعبرُ الطَریق الوَعرة لتَجتاز الصِعاب رغم الحَواجز الصَماء والأسیجة الخَرساء ، لتَخترق العُقولَ بکلِ حبٍ وأملٍ ووفاءٍ ، وتَعبرُ القُلوب قَبل أن تَخترقَ الحُصون والأشرعة البَیضاء .. إنها " إرادةُ المُعاق " ..

* قالوا : ما الفَرق بین الإصرار والعَزیمة ؟ قُلت: الإصرارُ ضَیفٌ عابرٌ ،والعزیمةُ صدیقٌ مُقیم ، والإصرارُ یُسانده الطُموح ، والعَزیمة تُساندها الإرادة ، والطُموح یَتغیرُ باختلافِ الأیامِ والشخوص والظُروف ، ولکَن الإرادة أَقوى من کل الظُروف والجُمود ..

  * یُصادف یَوم الثالث من دیسمبر فی کل عامٍ " الیوم العالمی للمُعاق "... هذا المُعاق الذی نَسج بإرادته وعَزیمته الصَلبة أَسمى مَعانی الفَخر والاعتزاز والصُمود فی وَجه الاحتلال الغَاشم ، وحَوّل إعاقته إلى شُموعٍ ومَناراتٍ ، تُضیء لنا الطَریق نَحو التَحَرر وإقامة الدَولة الفلسطینیة وعاصمتها القُدس الشَریف ... "معاقو فلسطین " جَعلوا من إعاقتهم رمزاً للنِضالِ والکِفاح والمقاومةِ الوَطنیة، وتحدیاً للحِصار وزحفاً نَحو وَعد الأَحرار...

* " مُعاقو فلسطین".. فی القَلبِ عَزیمةٌ وإرادةٌ وفی الحُلمِ ألفُ قدمٍ وسَاق .. إنهم عَبّروا عَن أنفسهم بطرقٍ خاصةٍ لا یُتقنها إلا " المُعاق "، وتَرجموا لُغاتهم بإشاراتٍ وطُرقٍ ورموزٍ مُختلفة من اجلِ " فِلسطین " ... فکانت کَلماتُ المُعاقین تَبنی جُسور الخَیرِ والعَطاء فی وهج الشَقاء، وابتساماتِهم تَشق الطَریق من قَلب الحِصار والمُعاناة، وأَرواحهم تَنشر أَزهارها فَواحة عَطرة وتَصنعُ من الحُلم حَقیقة...

* " الإرادة، الإصرار، العزیمة، التَحدی "... کَلماتٌ مَیزت أَبجدیاتُ لُغة " مُعاقو فِلسطین " عن غَیرهم من مُعاقی العَالم.. فقد جَعلوا من قُدراتهم ومَواهبهم جَسراً یَعبر عَلیه الثَائرون نَحو القدس والمَسجد الأقصى الأسیر .. رَسمت ابتساماتهم،وتَعابیرَ وجوههم خَطوط وخطوب المُقاومة والنِضال الفِلسطینی لتَخرج عن صَمتها وتَتَحدى المُستحیل وتَقهر الصعاب وتَهزم الجُموع ..

* " معاقو فلسطین " صَرخاتٌ مُدویةٌ فی الأعماقِ... وصَمتٌ مطبقٌ بَلغَ الحُدود ... وضَحِکاتٌ من وسط الحُروق .. وجِراحاتٌ لم تندمل بَعد.. وعَذاباتٌ وآلالامٌ تُعبّرُ عن آهات الوَطن المسلوب ..

* من رَحمِ المُعاناة وعُمقِ الآلام ، رَسَم "مُعاقو فِلسطین " البَسمةَ عَلى وَجهِ الحَیاةِ المُتصدع ، وکَسروا حَاجز المُستحیل لیُنیروا ظُلماتِ الطَریق بشموعِ الأملِ ویَبعثوا النُور فی أرجاء الکَون الکبیر.. و یبنوا الصُروح ویُشیدوا أََعمدة الوَطن الجَمیل...هَذا هُو دَأب المُعاق فی " فِلسطین " ...

* إن " المُعاق " هو الذی استسلم للقَید ولم یَقهر الصَعب، وفَقَد مَشاعره و أَحاسیسه و تَحطمت أَحلامه فَوق صَخرةِ الیأسِ والکسلِ.. فَصار کالجَسدِ بلا رُوح وکَاللیلِ بلا قَمرٍ وکالبَحرِ بلا دُررٍ ... وکثیراً ممن حولنا یعیشون حیاة البشر الطبیعیون وفی نفسِ الوَقتِ نَجدهم عَاجزین عن قَولٍ أَو فِعلٍ حَسنٍ رشید...هُم فعلاً " المُعاقون "، فکم من فَاقدی نِعمةِ البَصر أَناروا لَنا دُروب الحَیاة بقوةِ بَصیرتهم وفِکرهم السَدید ، وکَم من المُعاقین " جَسدیاً " فَقدوا نِعمة کَمال الجِسم والصِحة لکنَهم عَلّموا الأصحاء مَعنى الحَیاة والأمل البَعید ..

* " المُعاق " هو مَن فقد الإحساس بالحَیاةِ وعَبیرها، ومن کَبله الیَأس وقَید أَضلعه.. " المُعاق" هو الشخص الذی جَعل عَقله یَغطُ فی سُباتٍ عَمیق ویَعتمد عَلى جُهد غَیره ویُفکر بعقولِ الآخرین ، " المُعاق " هو الذی یَحیا طَوال حَیاته عَلى نمط حیاتی واحدٍ ولم یُحاول أبداً تَغییر نَفسه أو أَفکاره أَو حَتى یُطَور ویُنمی من قُدراته ، أو یَصنع من نَفسه شَیئاً جَدیداً ، " المُعاق " هو الذی یَقِفُ مَکتوف الأیدی عَاجزاً عن الحَرکةِ والتقدمِ  ..

 * لیس من یُنجز ویَخدم ویُقدم لمُجتمعه أنموذجاً من العطاء والتضحیة والنضال الوطنی هو " المُعاق " !!؟؟

ن/25