الخميس 16 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

قراءة مکررة للموقف الأمیرکی من إیران

کتب الاستاذ صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن فی مقال استلمته وکالة قدسنا :

المسألة الإیرانیة کان لها الأولویة فی العقل الباطنی للإدارة الأمیرکیة الحالیة منذ مجیئها للحکم، تماماً کما کان موضوع غزو العراق، وقبل أحداث أیلول/سبتمبر 2001.

إنّه لمن السذاجة التسلیم بأنّ إدارة بوش ارادت الهیمنة على العراق وعلى الشاطئ العربی فی الخلیج ( الفارسی ) دون الشاطئ الفارسی منه. بل إنّه یمکن القول حتى بأن السیطرة العسکریة الأمیرکیة على أفغانستان أولاً، ثمّ على العراق، ما کان إلا مدخلاً للصراع الحقیقی فی المنطقة. فلا نظام "طالبان"، ولا نظام صدام حسین بعد حصاره لعشر سنوات، کان یشکّل أیٌّ منهما خطراً فعلیاً على مشروع الهیمنة على منطقة الخلیج کلّها وما فی هذه المنطقة من ثروات النفط والغاز والأموال. فهذه الإدارة الأمیرکیة کانت تدرک أنَّ الخصم الحقیقی فی الصراع على الخلیج ( الفارسی ) سیکون إیران ولیست أیّة دولة أخرى إقلیمیة أو أممیة.

ولم تکن الإدارة الأمیرکیة مقتنعة بالتسهیلات التی قدمتها طهران لواشنطن فی حربها على نظام "طالبان" وجماعة "القاعدة" ثمّ فی الحرب على العراق، ولا أیضاً بوجود التیّار الإصلاحی الإیرانی فی السلطة قبل وصول الرئیس محمود أحمدی نجاد، فالمطلوب أمیرکیاً کان التسلیم الإیرانی بالهیمنة الأمیرکیة على عموم منطقة الشرق الأوسط إضافةً للنفوذ المباشر فی منطقة الخلیج ( الفارسی ).

هذا هو الصراع الحقیقی الذی یدور فی المنطقة بعد تداعیات سبتمبر 2001، وبعد أن وضعت إدارة بوش العراق وإیران فی "محور الشر" الواجب محاربته، کما أعلن ذلک الرئیس الأمیرکی بمطلع العام 2002.

ولقد کان سهلاً سقوط نظام طالبان، ثمّ نظام صدام حسین، بینما تعثّرت إدارة بوش فی صراعاتها المباشرة وغیر المباشرة مع إیران، کما هی تعانی من بدائل الأوضاع فی أفغانستان والعراق. فإسقاط الأنظمة کان أمراً یسیراً، الهدم هو دائماً کذلک، بینما فشل "المهندس" الأمیرکی فی بناء تصامیمه المعلّبة والمصنوعة أمیرکیاً فی مجتمعات لا تستهلک کثیراً من "المعلّبات"!.

وقد أخرج جورج بوش صراع إدارته مع إیران للعلن بعد تجدید انتخابه رئیساً للمرّة الثانیة فی نهایة العام 2004، حیث تمیّزت تصریحاته ومواقف أرکان إدارته الثانیة بالترکیز على إیران وعلى الخطر النووی الإیرانی، رغم أنّ التعاون الروسی/الإیرانی فی هذا المجال عمره سنوات ولم تکن له فی الأجندة "البوشیة" أولویة قبل ذلک. وإذا بإیران تصبح فی العام 2005 وما بعده، هی الدولة الأشدّ خطراً على السلام العالمی وعلى المصالح الأمیرکیة على حدّ تعبیر کبار المسؤولین الأمیرکیین.

هکذا یمکن فهم الکثیر من التطوّرات التی حدثت ولا تزال، وفی الموقف الأمیرکی والأوروبی من سوریا وإیران، وفی الحرب الإسرائیلیة/الأمیرکیة المستمرّة على "حرکة حماس" وعلى "حزب الله"، وفی تداعیات الأوضاع السیاسیة داخل لبنان والعراق والأراضی الفلسطینیة المحتلّة.

بل إنّ الصراع الأمیرکی مع إیران استقطب الأطراف العربیة بشکل حاد، تماماً کما حدث فی فترة الصراع الأمیرکی/الروسی خلال الحرب الباردة بین المعسکرین. بالمحصّلة، فإنَّ البلدان العربیة، ولمصالح مختلفة، أصبحت ساحات لهذا الصراع!

الإدارة الأمیرکیة تسعى الآن إلى ترمیم فشلها الکبیر فی العراق الذی جعلها عاجزة عن تحقیق مکاسب فی قضایا أخرى بالمنطقة. وهناک استحقاقات سیاسیة داخلیة فی الولایات المتحدة تضغط على إدارة بوش من أجل تغییر المسار الفاشل لسیاستها فی العراق.

وکما فشلت إدارة بوش فی حربها على العراق، فشلت إسرائیل أیضاً فی حربها الأخیرة على لبنان، إذ عجزت آلة التدمیر العسکریة الإسرائیلیة عن تحطیم المقاومة اللبنانیة وعن إضعاف حزب الله، رغم کل الوحشیة العدوانیة الإسرائیلیة التی استمرّت لخمسة أسابیع وشملت معظم المناطق والمرافق اللبنانیة.

أیضاً، لم تنجح إسرائیل حتى الآن، رغم الدعم الکبیر من إدارة بوش، فی استثمار حربها على لبنان من أجل إحداث فتنة داخلیة لبنانیة تضعف المقاومة سیاسیاً، وتدفع بلبنان وبالمنطقة إلى حروب أهلیة طائفیة ومذهبیة تستند إلى ما حدث وما زال یحدث فی العراق، وإلى ما هو سائد من أجواء مسمومة لإعادة رسم خریطة المنطقة.

أمّا على الجانب الفلسطینی، فإنّ الفشل الإسرائیلی قد تکرّر أکثر من مرّة فی السنوات الماضیة. فلا خطة تدمیر المقاومة الفلسطینیة، ولا ثمّ سیاسة العزل والاغتیالات والتهجیر والتدمیر قد حقّقت أیٌّ منهما أهدافها.

ولقد أسقطت الانتخابات الأمیرکیة الأخیرة فی نهایة العام الماضی احتمالات حروب أخرى کانت إدارة بوش تسعى لها أو تهدّد بها، وتحوّلت سیاسة الإدارة من نهج یدعو إلى تغییر أنظمة إلى دعوات لتغییر "السلوک"!

فقد اضطرّت إدارة بوش بعد سنوات من سیاسة العزل والتهدید لکوریا الشمالیة إلى أن تتفاوض معها وأن توقّع معها اتفاقیات کانت لا تقبل بها سابقاً.

ثمّ فجأةً شجعت واشنطن على إحیاء "عملیة السلام" فی الشرق الأوسط وعلى التعامل مع الملف الفلسطینی بشکلٍ أکثر جدّیة!

أیضاً، أسقطت واشنطن الکثیر من المحظورات فی کیفیة التعامل مع الداخل العراقی، فإذا هی ترحّب بعودة ضباط وعسکریین من الجیش العراقی السابق، وتتراجع عن قرار اجتثاث "حزب البعث"، وتقیم اتصالات ومفاوضات مع مجموعات من المقاتلین العراقیین المقاومین لها، کما تدعو إلى مشارکة وطنیة عراقیة أوسع فی الحکم!

وکذلک تراجعت التهدیدات العسکریة ضدّ إیران لیسود مکانها دعوات للتفاوض ولحلّ أزمة الملف النووی الإیرانی بشکل دبلوماسی!

فما هو سائد الآن من خط انحدار وتراجع فی نهج إدارة بوش غیر قابل للصعود مجدداً فی الأشهر المتبقیة من فترة هذه الإدارة.

إنَّ إدارة بوش سارت فی سنواتها الماضیة على طریق مسدود، وهاهی الآن تختار التراجع البطیء لحفظ ماء الوجه، ولمراعاة مصالح داخلیة أمیرکیة تقف مع هذه الإدارة وتخاف على مستقبلها بعد انتهاء حقبة بوش. فالضغط الداخلی الأمیرکی هو لیس من الحزب الدیمقراطی أو الرأی العام الأمیرکی فقط، بل أیضاً من داخل أوساط الحزب الجمهوری ومن مراکز فاعلة فی الحیاة السیاسیة والاقتصادیة الأمیرکیة.

فلم یعد أمام هذه الإدارة سوى خیار التراجع والمراهنة على نتائج إیجابیة من هذا التحوّل الاضطراری. فإدارة بوش تأخذ الآن بتوصیات مجموعة بیکر/هاملتون بأسلوب التقسیط والجرعات بعدما رفضت فی نهایة العام الماضی تناول هذا الدواء المرّ دفعة واحدة.

الحرب فی العراق هی حرب الصراع على النفط والهیمنة على مصادر الطاقة فی منطقة الخلیج ( الفارسی ) وعلى التحکم برقاب الاقتصاد العالمی وشرایین الحیاة فی الدول الصناعیة الکبرى. لذلک، فإنّ الحرب فی العراق کانت وستبقى أولویة الإدارة الأمیرکیة ولن یکون سهلاً الانسحاب الأمیرکی منها أو التخلّی عن هدف التحکّم بنتائج تداعیاتها.

وسیکون محور هدف التحرّک الأمیرکی القادم هو تحسین الأوضاع السیاسیة والأمنیة فی العراق، وتسهیل سحب عدد کبیر من القوات الأمیرکیة دون إعلان جدول زمنی، وإنّما ربط الانسحابات المبرمجة بتحسین الأوضاع فی العراق، ممّا سیسمح للإدارة قبل صیف العام 2008  بادّعاء أنّها حقّقت إنجازاً فی العراق وفی السیاسة الخارجیة الأمیرکیة ککل اعتماداً على ما سیرافق الأوضاع العراقیة من مفاوضات مع کل الأطراف المعنیة أو المجاورة للعراق.

إذن، إدارة بوش مضطرّة الآن (وبفعل ضغط داخلی أمیرکی وخارجی أوروبی وعربی) إلى التفاوض مع إیران وسوریا بعدما سقطت أو تعذّرت الخیارات الأخرى.

والمحصّلة من ذلک کلّه الآن، أنّ هناک تراجعاً فی السیاسة الأمیرکیة یُعبَّر عنه حالیاً فی المراجعة لهذه السیاسة على أعلى المستویات الأمنیة والعسکریة والسیاسیة فی واشنطن.

خلال هذه الفترة الزمنیة من "المراجعة الأمیرکیة"، فإنّ الصراعات مستمرّة فی "الشرق الأوسط" لکن بأسلوب "عضّ الأصابع"، لا قطع الرؤوس أو کسر الرقاب. فلا حروب جدیدة بالمنطقة خلال المدى القریب المنظور رغم التهویل الذی حصل على أکثر من ساحة ومع أکثر من طرف، بما فی ذلک الصراع الأمیرکی/الإیرانی، وآفاق الصراعات المحلیة فی لبنان وفلسطین والجبهة الإسرائیلیة مع سوریا ولبنان.

هی فترة زمنیة یتغلب علیها محاولات تحسین "الأوراق التفاوضیة" للأطراف المحلیة والخارجیة ریثما تضع "المرجعیة" الأمیرکیة الوحیدة الآن لأزمات المنطقة، خلاصات جدیدة لمراجعاتها وتراجعاتها السیاسیة، بعدما ظهرت ملامح هذه الخلاصات فی تقریر لجنة بیکر/هاملتون. فواشنطن تدرک أنّ المشکلة مع إیران لا تُحلّ بمزید من القرارات فی مجلس الأمن، بل بأحد طریقین: الحرب أو التفاوض. وتتجنّب إدارة بوش خیار الحرب على إیران بسبب محاذیره العسکریة والسیاسیة والاقتصادیة على أمیرکا وعلى المنطقة والعالم عموماً، وتجد إدارة بوش نفسها أمام الخیار الآخر (أی التفاوض) دون جاهزیة بعد من الطرف الإیرانی الذی ما زال یحاول تحسین أوراقه التفاوضیة رافضاً حتى الآن القبول بتجمیدٍ مؤقت للتخصیب النووی.

فالطرف الإیرانی لم یلمس بعد أی تحوّل عملی فی الموقف الأمیرکی رغم "رسائل التحیة" التی وردت من واشنطن.

طبعاً، یدرک المستهدفون سلباً من قبل إدارة بوش فی منطقة الشرق الأوسط (وهم رباعیة: إیران، سوریا، حزب الله، وحرکة حماس) أنّهم فی حالة "دفاعیة"، وبالتالی، فإنّ حرکتهم المعارضة للسیاسة الأمیرکیة تتوقّف على طبیعة هذه السیاسة وأهدافها وأسالیبها، وبأنّ المتغیّرات إن حدثت فی الجانب الأمیرکی، فإنّها تستدعی متغیّرات فی المواقف أیضاً.

إنّ تعذّر خیار الحرب الأمیرکیة ضدّ إیران الآن یعنی أنّ واشنطن مستعدّة لخیار التفاوض معها. إنّ واشنطن تحتاج لطهران ودمشق فی ترمیم الأوضاع السیاسیة والأمنیة فی العراق، وفی معالجة الملفّین الفلسطینی واللبنانی. لکنّ ذلک لا یعنی إنّ إدارة بوش سوف تقیم صفقات مع حکومات دعت لإسقاطها، بل سیعنی ذلک أسلوب التفاوض ب"المفرّق" على القضایا الساخنة ولیس الحساب ب"الجملة" على کل الأمور العالقة.

إذن، یبدو من واقع حال إمکانات وظروف الإدارة الأمیرکیة، والأطراف التی تستهدفها هذه الإدارة فی منطقة الشرق الأوسط، أنّ التفاوض هو الخیار الأفضل المتاح الآن أمام الجمیع من أجل تحقیق تسویات تحقّق "سلاماً مؤقتاً" بینها، فی إطار مناخ دولی وإقلیمی مناسب لتراجعات متبادلة ولتنازلات ومکاسب على مستوى کل طرف.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 140829







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. الفصائل الفلسطينية تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح الاحتلال رفح
  2. ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة إلى 141
  3. قيادي في حماس: عملية طوفان الأقصى حققت أبعادها السياسية والاستراتيجية والإنسانية
  4. القوات المسلحة اليمنية : استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين في خليج عدن وسفينة إسرائيلية في المحيط الهندي
  5. بعد استقالة حاليفا.. "تأثير الدومينو" يلحق قيادات الجيش الصهيوني
  6. بيان إيراني باكستاني مشترك ضد الكيان الصهيوني
  7. خلال استقباله حشدا من العمال في انحاء البلاد.. قائد الثورة الإسلامية: جميع الشعوب تدعم فلسطين / الارهابيون الحقيقيون هم من يقصفون الشعب الاعزل في غزة
  8. قيادي في "حماس" : لدى الحركة نحو 30 أسيرا من الجنرالات وضباط الشاباك
  9. تصاعد الهجرة العكسية في الكيان الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى
  10. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الكليات الأميركية وسط إضرابات جماعية وعشرات الاعتقالات
  11. أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته وضع قواعد جديدة وأربك حسابات العدو الصهيوني
  12. خلال زيارته لجامعة كراتشي.. رئيس الجمهورية: الكيان الصهيوني مني بالفشل الذريع في غزة رغم جرائمه غير المسبوقة
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)