مؤتمر أنابولیس تمخض فلم یلد حتى فأرا

الأطراف العربیة استخدمت ککراکیز فی تمثیلیة سخیفة لخدمة واشنطن وتل أبیب / مؤتمر أنابولیس تمخض فلم یلد حتى فأرا

انتهت الجعجعة التی أحاطت بمؤتمر الخریف الذی انعقد یوم 27 نوفمبر فی أنابولیس قرب العاصمة الأمریکیة واشنطن ولم یلد الجبل حتى فأرا، وأدرکت الأطراف العربیة التی غرر بها والتی رفضت سماع صوت العقل والاستفادة من تجارب التاریخ، إنها سقطت فی الفخ الأمریکی الإسرائیلی وأنها استخدمت ککراکیز فی تمثیلیة سخیفة لتجمیل صورة کل من الرئیس الأمریکی بوش ورئیس وزراء الکیان الصهیونی أولمرت ولخداع العالم وإیهامه أن القوة الأولى فی العالم تسعى لتسویة مشکل الشرق الأوسط وأنها حققت إنجازا سیمهد الطریق لتبدیل صورة أقدم وأخطر صراع فی الشرق الأوسط.

وانتهى المؤتمر حتى من بیان ختامی أو دعم صریح من الدول العربیة فی حین اقتصر المؤتمر الصحافی الختامی على کلمة مقتضبة لرایس.

واذا کانت الولایات المتحدة قد وصفت مؤتمر انابولیس الدولی بأنه "انجاز بالغ الأهمیة" للفلسطینیین والإسرائیلیین واعتمدت لهجة المنتصر لتلمیع صورتها وقالت وزیرة الخارجیة کوندولیزا رایس ان "ما تم التوصل الیه انجاز بالغ الأهمیة لهم لأنهم لم یجروا أی محادثات مهمة حول المسائل الجوهریة منذ سبع سنوات"، فقد شکک مسؤولون اخرون بفرص احراز تقدم فعلی بعد ستین عاما على اندلاع النزاع.

وأقر وزیر الخارجیة الفرنسی برنار کوشنیر بأن "الناس یشککون کثیرا بالفعل، لأن محاولات کثیرة حصلت فی الماضی" ولم تفض إلى نتیجة. ومن جهته، دعا الممثل الأعلى للسیاسة الخارجیة للاتحاد الأوروبی خافییر سولانا إلى "استخلاص العبر من خیبات الأمل السابقة".

وقال دبلوماسی عربی : "لا شیء یدفع الى التفاؤل" مؤکدا ان : "العرب بشکل عام خاب املهم". واضاف الدبلوماسی الذی طلب عدم الکشف عن هویته لرویترز "لا التزام واضحا لاحترام مهلة زمنیة معینة. انه تعهد یقتصر على بذل الجهود". وأضاف "من الصعب ان تؤتی العملیة التفاوضیة التی اعلن عنها بنتائج ولا یوجد شیء یدعو الى التفاؤل والعرب عموما یشعرون بخیبة أمل". وتابع : "اشترط التفاهم المشترک الذی اعلنه الرئیس بوش تطبیق أی اتفاق سلام بتنفیذ المرحلة الاولى من خارطة الطریق ای تفکیک الشبکات الارهابیة فی الاراضی الفلسطینیة وهو ما یعنی الدخول فی حرب مع حرکة حماس". وأضاف : ان هذا التفاهم المشترک "لم یتضمن حتى التزاماً واضحاً کما کان یرید العرب بإنهاء المفاوضات قبل نهایة ولایة بوش وانما تحدثت عن بذل اقصى جهد ممکن لتحقیق هذا الهدف".

وقال الخبیر فی شؤون الشرق الاوسط سکوت لاسینسکی من المعهد الأمریکی للسلام "یونایتد ستایتس اینستیتوت اوف بیس" ان اهمیة المؤتمر تکمن فی مغزاها الرمزی من خلال الحضور العربی اکثر مما تضمنه فی الجوهر.

وشدد على ان الوثیقة الاسرائیلیة الفلسطینیة التی ابرمت قبیل افتتاح المؤتمر مبهمة جدا ولا تتطرق الى المسائل الجوهریة التی لا تزال عالقة والتی تعهد الطرفان بحلها خلال السنة المقبلة".

حتى هذا التوقیت تراجع عنه أولمرت وذکر انه لم یعلق آمالاً کبیرا على فکرة التوصل الى اتفاق فی 2008. وقال للإذاعة الأمریکیة العامة "لا نحاول الادعاء انه یمکن تحقیق ذلک فی غضون اسبوع او عام لکن یجب البدء فی مکان ما".

تنازلات محمود عباس

المفاوضون الفلسطینیون وعلى رأسهم رئیس السلطة محمود عباس قدموا کل أشکال التنازلات التی أرادتها تل أبیب وواشنطن ولم یحصلوا على مقابل یذکر وقد تناسوا أنهم لا یمکن أن یدعوا بشرعیة تمثیلهم لغالبیة الفلسطینیین.

فقد توصل المفاوضون الفلسطینیون والاسرائیلیون الى تفاهم مکتوب یوم الثلاثاء ترک الجانب الفلسطینی بأقل مما کان یسعى بعد محادثات استمرت شهورا بشأن وثیقة مشترکة للمؤتمر.

فیما یلی کیف أبلى کل طرف فیما یتعلق بمطالبه الاساسیة..

1- لم یشمل التفاهم المشترک الذی تم التوصل الیه قبل دقائق من بدء اجتماع انابولیس بماریلاند کما قرأه الرئیس الامریکی جورج بوش الاطار الزمنی الملزم الذی طالما طالب به الفلسطینیون لمحادثات اقامة الدولة او لتنفیذ أی اتفاق مستقبلی.

وبدلا من ذلک تلقى الرئیس الفلسطینی محمود عباس تعهدا من جانب رئیس الوزراء الاسرائیلی أیهود أولمرت بأن "نبذل کل جهد من أجل التوصل الى اتفاق قبل نهایة عام 2008". وهو ما تراجع عنه ألمرت قبل أن یجف مداد التفاهم.

2- رغم تأکیدات الفلسطینیین على أنهم لن یقبلوا بأقل من تجمید کامل لأنشطة الاستیطان لم یقدم اولمرت التزامات علنیة واضحة.

ولم یذکر فی کلمته أمام المؤتمر حتى کلمة "مستوطنات" وهو ما یخشى الفلسطینیون أن یدمر فرصهم فی إقامة دولة قابلة للبقاء.

وسعى بوش فی کلمته الى قول ما لم یقله اولمرت بالدعوة صراحة الى إنهاء التوسع الاستیطانی.

3- تصدى اولمرت لاقتراح فلسطینی بأن تنص الوثیقة على أن القدس الشرقیة التی احتلتها اسرائیل فی حرب عام 1967 ستکون عاصمة الدولة الفلسطینیة المستقبلیة.

ولم یذکر بوش أو الوثیقة المتفق علیها مستقبل القدس الشرقیة على الرغم من أن وزیرة الخارجیة الأمریکیة کوندولیزا رایس أدرجت القدس ضمن القضایا الأساسیة التی اتفق الجانبان على التفاوض علیها وحلها.

4- وافق اولمرت على اقتراح فلسطینی باستئناف "مجموعات العمل" للترکیز على مستقبل القدس والحدود ومصیر اللاجئین الفلسطینیین، وهو أمر رمزی ولا قیمة له.

وحصل عباس کذلک على التزام اسرائیلی ببدء المفاوضات خلال اسبوعین. وقال مسؤول اسرائیلی بارز ان "لجنة توجیه" اسرائیلیة فلسطینیة ستعقد اول جلساتها وحدد موعدا لها فی السابعة مساء من یوم 12 دیسمبر فی القدس.

5- عطلت إسرائیل اقتراحا أیده عباس بتشکیل "لجنة" أمنیة ثلاثیة تضم إسرائیلیین وفلسطینیین وامریکیین مشیرة الى مخاوف بشأن تبادل معلومات مخابرات حساسة مع الفلسطینیین.

وبدلا من اللجنة اتفق الجانبان على تشکیل "الیة أمریکیة فلسطینیة اسرائیلیة" تقودها الولایات المتحدة.

و وافق اولمرت على إعطاء جنرال أمریکی سلطة الحکم فیما اذا کانت إسرائیل تجمد أنشطتها الاستیطانیة وما اذا کان الفلسطینیون یکبحون جماح النشطاء بموجب "خارطة الطریق" المتعثرة منذ فترة طویلة.

6- لم یحصل اولمرت على التزام فلسطینی علنی بالاعتراف بإسرائیل کدولة یهودیة على الرغم من أن بوش نفسه قال "الولایات المتحدة ستبقی على التزامها بأمن اسرائیل کدولة یهودیة".

الخطیر فیما سبق انها المرة الاولى منذ اتفاق اوسلو فی العام 1993 التی یجری فیها إسقاط الاشارة الى قضایا الوضع النهائی، ای القدس والحدود والمستوطنات واللاجئین، من وثیقة فلسطینیة اسرائیلیة، فی ما یبدو انه مقابل تخلی اسرائیل عن طلب تضمین الوثیقة نصا صریحا یؤکد یهودیة الدولة الاسرائیلیة ویهدد بطرد سکانها الأصلیین من فلسطینیی الـ48 علما بان هذه التسویة التی کانت عالقة طوال الأسابیع الماضیة عند تلک النقطة بالتحدید، نقضها بوش فی خطابه الافتتاحی عندما اکد ان اسرائیل هی دولة للیهود.

وما زاد من خطورة هذا التجاهل لقضایا الوضع النهائی، هو ترکیز الوثیقة نفسها وبوش فی خطابه الافتتاحی للمؤتمر على استعادة أولویات خریطة الطریق الموقعة فی العام 2004 واهمها التزام السلطة الفلسطینیة المسبق بمکافحة الارهاب، کشرط لمتابعة المفاوضات وتنفیذ اسرائیل لتعهداتها... وهی صیغة تعادل أمر عملیات الى السلطة لتشدید حملتها على حرکة حماس وحکومتها، وتنذر بتفجیر الوضع الداخلی الفلسطینی.

مکاسب بوش وأولمرت

واشنطن أکدت ان مؤتمر الخریف قدم أقوى إشارة عربیة الى ان أبواب التطبیع فتحت بالفعل مع اسرائیل.

وعلى الرغم من انه لم ترد أنباء عن لقاءات او مصافحات جانبیة عربیة اسرائیلیة تطلق مسار التطبیع، او تدفعه الى الامام، فان بوش واولمرت لم یخفیا الامتنان لذلک الحشد العربی الذی ضم وزراء او ممثلی 16 دولة عربیة بعضها لیس عضوا فی لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربیة التی جددت قمة الریاض طرحها فی الربیع الماضی، وانتقلا على الفور الى مطالبة

الجانب العربی بترجمة ذلک الحضور الاستثنائی الى خطوات عملیة اضافیة، تواکب المسار الفلسطینی وتشکل کما یبدو شرطا لتقدمه.

وعلى غرار مؤتمر مدرید الذی انعقد فی اعقاب حرب الخلیج الثانیة فی العام 1990 فان مؤتمر انابولیس الذی انعقد ایضا فی ظل اضطراب خلیجی شدید نجم عن الاحتلال الامریکی للعراق وتسلیط الاضواء وتوسع الدور الایرانی فی المنطقة، حدد آلیات للتفاوض بینها تشکیل لجنة توجیه ثلاثیة امریکیة اسرائیلیة فلسطینیة.

بوش استغل المؤتمر لیطرح مخططاته حول لبنان حیث قال فی کلمته "الولایات المتحدة تشعر بان هذه الجهود ستقود الى السلام الذی نریده، ولهذا السبب سنستمر فی دعم الشعب اللبنانی. نعتقد ان الدیموقراطیة تجلب السلام. والدیموقراطیة فی لبنان حیویة، کما انها بالنسبة للشرق الاوسط. الشعب اللبنانی یحاول انتخاب رئیس، وهذا القرار یتخذه الشعب اللبنانی، وعلیهم ان یقوموا بذلک من دون تدخل خارجی وترهیب. وفیما یباشرون هذا المسار، سیدرک اللبنانیون ان الشعب الامریکی یقف الى جانبهم، ونحن نتطلع الى الیوم الذی یتمتع فیه اللبنانیون بنعم الحریة من دون خوف او عنف او إکراه".

ضرب القوى الممانعة

اولمرت ذهب إلى مؤتمر أنابولیس لأنه وباعترافه وصل إلى نتیجة مفادها انه لم یعد من الممکن الإبقاء علی الوضع القائم بین إسرائیل والفلسطینیین. وأکد ان المحافظة علی الوضع القائم یمکن ان تکون لها نتائج اخطر من اجتماع غیر ناجح، مشیرا خصوصا إلى خطر سیطرة حرکة حماس علی الضفة الغربیة بعد سیطرتها على قطاع غزة.

کما تحدث عن النتائج الکارثیة التی یمکن ان تنجم عن ضعف ان لم یکن زوال التیار الفلسطینی المعتدل الذی یقوده الرئیس محمود عباس. وهو ما یعنی أن تل أبیب ترید من المؤتمر لیس بدء حل القضیة الفلسطینیة بل ضربها وطعن کل القوى التی تمانع فی التنازل والتی تتمسک بالمبدأ الثابت تاریخیا أنه لا یمکن التفاوض مع الکیان الصهیونی إلا اذا کانت فی أیدی الفلسطینیین والعرب أوراق ضاغطة وذات وزن کفیلة بإجبارهم على قبول ما یعتبرونه هم تنازلات.

إسرائیل لم تنسحب یوما من أرض عربیة إلا تحت الضغط، هکذا فعلوا فی سیناء وبعدها فی جنوب لبنان تحت ضغط حزب الله، وبعدها فی غزة تحت ضغط المقاومة المسلحة الفلسطینیة.

( المقال للکاتب الفلسطینی عمر نجیب )

ن/25