تقدیرا لشعبنا الکویتی

کتب البروفیسور عبد الستار قاسم  :

على الرغم من المآخذ الکبیرة للعدید من شعبنا الکویتی على کثیرین من الشعب الفلسطینی نتیجة موقف القیادة الفلسطینیة من الرئیس العراقی عام 1990، إلا أن الشعب الکویتی قد أظهر التزاما دینیا وعربیا وأخلاقیا واضحا من مؤتمر أنابولیس ومن حقوق الشعب الفلسطینی. لم نلحظ شعبا عربیا واحدا بمثل الموقف الحماسی والمبدئی الذی وقفه الشعب الکویتی أثناء انعقاد المؤتمر، ولم نر تجمعات برلمانیة عربیة تتخذ موقفا مما یجری ومن المواضیع قید النقاش مثلما کان موقف أعضاء فی البرلمان الکویتی.

قام نفر من أعضاء مجلس الأمة الکویتی بالتظاهر وإلقاء الکلمات حول مؤتمر أنابولیس منددین به وبالولایات المتحدة الأمریکیة المنحازة تماما لإسرائیل. قالوا بأن أمریکا تعمل على تصفیة القضیة الفلسطینیة التی اعتبروها قضیة مقدسة لا یجوز المساس بها، وحذروا العرب من الاستمرار بالانجرار وراء السیاسات الأمریکیة. وقد أکدوا أولا على قدسیة القدس وعلى استحالة التنازل عن أی جزء منها، ورددوا التأکید على المسجد الأقصى وأولویة تحریره. وأکدوا على حق اللاجئین الفلسطینیین بالعودة إلى بیوتهم وممتلکاتهم فی الأرض المحتلة/48، رافضین أفکار التوطین والتعویض. ولم یفتهم التأکید على إسلامیة الأرض الفلسطینیة، وعلى رفضهم الاعتراف بإسرائیل، ورفض التطبیع معها. لقد أشاروا إلى الذین یطبعون مع الصهاینة، واعتبروا أعمالهم طعنات فی ظهر الأمة.

لم یقتصر الأمر على أعضاء المجلس، بل خرج جمهور کویتی متظاهرا ورافعا اللافتات المنددة بمؤتمر أنابولیس وبسیاسة الولایات المتحدة، ورافضة الاعتراف بالکیان الصهیونی والتطبیع معه.  وقد ظهر حماس المتظاهرین من خلال شعاراتهم بالانتماء للأمة وبإصرارهم على تحریر المقدسات.

حکومة الکویت لم تذهب إلى أنابولیس علما بأن أنظمة عربیة کثیرة قد هرولت إلى المؤتمر وحاولت أن تسوق المبررات والتبریرات. والأهم من ذلک هو أن الحکومة لم تتعرض للمتظاهرین ولم تحاصرهم أو تلاحقهم بالهراوات أو تطلق علیهم النار. لقد عبر المتظاهرون عن آرائهم بهدوء، وبقیت قوات الأمن بعیدة عن الاستفزاز.

عندما یقارن المرء بین الموقف الکویتی والموقف الفلسطینی، یجد الموقف الکویتی متطورا جدا عن الموقف الفلسطینی الذی من المفروض أن یکون قدوة فی الإصرار والتصمیم ورفض التطبیع والاعتراف. فلسطینیون کثر من المثقفین والسیاسیین والناس العادیین یطبعون العلاقات مع الصهاینة، وکثر هم الذین دعوا إلى حضور أنابولیس واعتبروه انتصارا لأمة یسوقها الأمریکیون سوْقا. وشتان ما بین الموقف الإسلامی القومی لأهلنا الکویتیین، وبین الآلاف من الفلسطینیین الذین یسابقون الزمن فی التنازل عن حقوقهم. حتى أن موقف حکومة الکویت یتفوق کثیرا على حکومة رام الله فی هذا الوقت العصیب الذی یشهد تفسخا عربیا. على الأقل لم تقتل حکومة الکویت کویتیا یتظاهر من أجل حقوق شعب فلسطین.

کفلسطینی، لا یسعنی إلا أن أفتخر بهذا الموقف الشعبی الکویتی، وأن أعتبره مصدر قوة واطمئنان واعتزاز. وظنی أننی لو شکرتهم سیقولون لی: "دعک، فموقفنا من وطنک أسمى وأرقى من موقفکم أیها الفلسطینیون."

ن/25