qodsna.ir qodsna.ir

صراعات أولمرت ولیفنی وباراک

صراعات أولمرت ولیفنی وباراک قبل الانتخابات/إسرائیل ستطلب من مؤتمر أنابولیس أن یکون «لطیفاً جداً»

 

منذ صباح الیوم التالی لإعلان الرئیس جورج بوش فی حزیران /یونیو الماضی عن مؤتمر دولی للسلام فی الشرق الأوسط باشرت اسرائیل حملة منهجیة ومنظمة للتخفیض من سقف التوقعات لدى الفلسطینیین والعرب او المجتمع الدولی فی شکل عام. وقبل الخوض فی طبیعة الموقف الاسرائیلی والتوقعات او الاهداف من مؤتمر السلام الذی یعقد فی أنابولیس (ولایة میریلاند الأمیرکیة) فی مطلع الأسبوع المقبل، لا بد من الإشارة الى ان خطوة من سلسلة خفض سقف التوقعات جاءت من البیت الأبیض صباح الیوم التالی لإعلان بوش عن المؤتمر، إذ قال الناطق باسم البیت الأبیض طونی سنو: هذا لیس مؤتمر سلام کبیراً، فمثل هذا التعریف طموح اکثر مما ینبغی، سیکون لقاء، وإذ یوجد من یحاول رسم ذلک کمؤتمر للسلام کبیر فهذا لیس واقعیاً.

ومستفیدة من الموقف الأمیرکی شرعت الحکومة الاسرائیلیة فی حملة لتخفیض سقف التوقعات، وفی المحصلة الأولى جرى الجدال حول الوثیقة التی ستصدر عن اللقاء. الرئیس محمود عباس طالب باتفاق إطار یضمن حلولاً مفصلة وجداول زمنیة محددة وواضحة، بینما أشار ایهود أولمرت الى إعلان مبادئ على طریقة اتفاق أوسلو، أی اعلان مبادئ تحتاج کل جملة فیه الى اتفاق مفصل حولها.

وعندما قبل الطرف الفلسطینی إعلان مبادئ یضع ولو فی شکل عام الخطوط العریضة للحل النهائی، غیر أولمرت موقفه فطالب ببیان مصالح قبل ان ینتقل الى الحدیث عن مجرد بیان ختامی او وثیقة سیاسیة مختصرة قدر الإمکان وربما فی صفحة واحدة فقط.

الجانب الفلسطینی الذی وافق تحت ضغط موازین القوى والأزمة الداخلیة لم یمانع من خروج المؤتمر بوثیقة سیاسیة شرط ان تتضمن حلولاً لقضایا الحل النهائی الست: القدس والحدود واللاجئون والدولة والأمن والمیاه، وإن خلت من جدول زمنی للتفاوض وللتنفیذ، لکن الجانب الاسرائیلی أصرّ على وثیقة سیاسیة عامة وغامضة لا تضع أی حلول بل تکتفی بعرض المشاکل او القضایا على الحوار والنقاش، وطبعاً جاء هذا الأمر بعید تمنع ورفض لأی نقاش للقضایا النهائیة، وجاءت الموافقة الفضفاضة والغامضة مشفوعة بربط تنفیذ أی اتفاقات او تفاهمات بالعودة الى خریطة الطریق وتحدیداً البند الأول فیها الذی یطالب الطرف الفلسطینی بتفکیک البنى التحتیة للمقاومة ونزع سلاحها ومنع أی عملیات او فعالیات لها ضد اسرائیل، بینما یلزم هذا البند اسرائیل بتجمید الاستیطان وتفکیک البؤر الاستیطانیة العشوائیة وفق المصطلح الاسرائیلی والتی اقیمت بعد آذار /مارس 2001 – بحسب حرکة «السلام الآن» یبلغ عددها 100 – وانسحاب الجیش الاسرائیلی الى ما وراء خطوط 28 أیلول /سبتمبر وإعادة فتح المؤسسات الفلسطینیة فی القدس الشرقیة. 

دوف فاسیغلاس، مستشار رئیس الوزراء السابق آرییل شارون، صرح مرة ان خریطة الطریق تطالب بتحول الفلسطینیین الى فنلندیین، وحتى یتحقق ذلک لن یطالب أحد اسرائیل بأی شیء لا فی الشق السیاسی ولا الأمنی. السلطة الفلسطینیة لم تمانع من العودة الى خریطة الطریق لکنها أشارت الى انها قامت بتنفیذ المطلوب منها، خصوصاً فی الضفة الغربیة، غیر انها قوبلت مرة أخرى بالتعنت الاسرائیلی الذی یعتبر ان السلطة لم تنفذ ولا حتى 1 فی المئة مما هو مطلوب، منها بحسب تعبیر وزیر الدفاع الاسرائیلی فی جلسة الحکومة الاثنین الماضی، لیس هذا فقط بل ربطت اسرائیل أی اتفاق بتنفیذ السلطة تعهداتها لیس فی الضفة الغربیة فقط وإنما فی قطاع غزة أیضاً، وهو شرط یبدو تعجیزیاً فی الواقع الفلسطینی الحالی، فاسرائیل تطالب الرئیس محمود عباس وحکومته بإنجاز ما عجزت هی عن تحقیقه، والمقصود طبعاً وقف عملیات المقاومة ووقف إطلاق الصواریخ على المستوطنات.

وبعدما وافقت السلطة الفلسطینیة نظریاً على العودة الى خریطة الطریق – وللتذکیر فقط وصفها ذات مرة المحلل الاسرائیلی ناحوم برنیاع بأنها صیغت بأید لیکودیة - عادت اسرائیل لتطرح مسألة یهودیة الدولة وضرورة إقرار السلطة بهذا الأمر کمدخل لأی مفاوضات حول الوضع النهائی، وهذا یعنی تنازلاً فلسطینیاً مجانیاً ومبکراً عن حق عودة اللاجئین الى المدن والقرى التی شردوا منها فی العام 1948، کما یؤثر سلباً فی نضالات الفلسطینیین فی الاراضی المحتلة عام 1948 للحصول على حقوق المواطنة ونزع الصفة العنصریة عن اسرائیل لتتحول الى دولة دیموقراطیة لکل مواطنیها.

قبل ذلک وبعده، أصر أیهود أولمرت على اعتبار مؤتمر انابولیس نقطة انطلاق للمفاوضات الفلسطینیة – الاسرائیلیة من دون تحدید النتائج وطبیعتها ولا نقطة النهایة کما أراد الرئیس محمود عباس ومعظم المسؤولین العرب الذین نظروا الى اللقاء کمؤتمر دولی یناقش القضایا النهائیة ویضع حلولاً لها مع جداول زمنیة مفصلة وملزمة.

طبعاً، لا یمکن الحدیث عن الموقف الاسرائیلی من مؤتمر أنابولیس من دون نظرة الى مواقف الثلاثة الکبار فی الحکومة، رئیس الوزراء أیهود أولمرت ووزیرة الخارجیة تسیبی لیفنی ووزیر الدفاع زعیم حزب العمل ایهود باراک، الذین یمتلکون تصورات ورؤى مختلفة تجاه المؤتمر. أولمرت بحث من البدایة عن لقاء علاقات عامة یحتل عناوین الصحف ویزید من شعبیته المنهارة ویبین مزایاه کقائد او رجل دولة یمتلک أجندة وجدول أعمال، وفی الوقت نفسه یطمس قضایا الفساد المثارة حوله وکذلک تقریر فینوغراد النهائی حول الأداء خلال حرب لبنان الثانیة صیف 2006. وأولمرت اعتمد القاعدة الاسرائیلیة التقلیدیة انه کلما توسعت قضایا الفساد والمشاکل الداخلیة لیس أمام القائد سوى الى الخروج الى الحرب او الذهاب الى المفاوضات وعملیة التسویة، وهو الذی لا یستطیع بعد حرب لبنان تبنی الخیار الأول – قاربه على استحیاء فی قطاع غزة - لجأ الى الخیار الثانی على طریقة معلمه آرییل شارون باحثاً عن صور لقاءات مع بعض الزعماء العرب لإثبات صوابیة نهجه السیاسی، وفی الوقت نفسه الزعم بتحقیق ما عجز عنه أسلافه: التطبیع مع أکبر عدد ممکن من الدول العربیة، خصوصاً تلک المهمة والمؤثرة.

وإذ یبحث أولمرت عن حملة علاقات عامة فی لقاء دولی یطیل مدة بقائه فی سدة السلطة کرئیس حکومة، فإن موقف وزیر الخارجیة تسیبی لیفنی یبدو مختلفاً بعض الشیء، فهی التی صاغت الخطوط العریضة لبرنامج کدیما السیاسی وصاحبة القول ان الانسحاب من بعض مناطق الضفة یعتبر تطبیقاً للأیدیولوجیا الصهیونیة ولیس تنازلاً او انحرافاً عنها، وهی طالبت دائماً بمنح الفلسطینیین أفقاً سیاسیاً وحتى دولة، وتعتبر ذلک مصلحة حیویة لاسرائیل شرط الترکیز على القضایا المرحلیة والاقتصادیة مثل الاسرى وحریة الحرکة للمواطنین والبضائع والمشاریع الصناعیة المشترکة. وتعتقد لیفنی أیضاً بأن من الممکن التوصل مع الفلسطینیین الى ما تسمیه اتفاق ربط بتهیئة الاوضاع عبر القضایا المرحلیة، کذلک عبر العودة الى خریطة الطریق، لکن لیفنی اسیرة للموقف الاسرائیلی العام الذی لا یثق بالرئیس محمود عباس ولا یعتبره شریکاً ملائماً وقادراً على تنفیذ أی اتفاق او تفاهم قد یتم التوصل الیه، من دون أی مراجعة للمسؤولیة الاسرائیلیة عن الوضع فی الضفة والقطاع فی شکل عام. وأوضح الرئیس عباس وحکومة سلام فیاض ان لیفنی المصرة على العودة الى خریطة الطریق هی ایضاً – بالتنسیق مع ایهود باراک – صاحبة فکرة ضرورة اقرار الفلسطینیین بیهودیة اسرائیل، ما یعنی تفجیر المفاوضات وافراغها من مضمونها.

أمر آخر یستحوذ على تعاطی لیفنی مع مؤتمر أنابولیس، هو موقفها الشخصی من ایهود أولمرت، فهی کوریثة محتملة لزعامة کدیما ورئاسة الوزراء تعتبر ان أولمرت غیر جدیر بمنصبه وانه ساقط حتماً سواء بسبب قضایا الفساد او بسبب تقریر فینوغراد النهائی، وبالتالی لا داعی – من وجهة نظر لیفنی – لمساعدته فی تحقیق أی إنجاز سیاسی أو دیبلوماسی لن یفیده فی أی حال وقد یعود ایضاً بالضرر علیها.

موقف باراک او «مستر أمن» مختلف نسبیاً عن موقف لیفنی، فباراک غیر مقتنع بفتح أی آفاق مع السلطة الفلسطینیة لا فی السیاسة ولا فی غیرها، وهو یعتقد بأن الرئیس محمود عباس ورئیس حکومته سلام فیاض غیر قادرین على تحقیق أی شیء لإسرائیل، خصوصاً فی البعد الأمنی، وهو فی جلساته الخاصة یشید على المستوى الشخصی بأبی مازن وفیاض، ولکن یرى المشکلة فی کونهما غیر متمرسین وحتى غیر راغبین فی الضغط على الزناد، والمقصود بالطبع قمع المعارضین بالقوة المسلحة، کما ان باراک یزعم ان لیس فی مقدور اسرائیل الانسحاب من مساحات واسعة من الضفة الغربیة إلا بعد تطویر منظومة صاروخیة مضادة للصواریخ، ویعتقد بأن الخطوات الاسرائیلیة یمکن ان تتم فی شکل أحادى وفق قاعدة اللاشریک التی ینسبها لنفسه.

وزیر الدفاع الاسرائیلی باراک وزمیلته وزیرة الخارجیة لیفنی یتفقان على أن أولمرت میت سیاسیاً وانه راحل لا محالة وان المنافسة فی الانتخابات المقبلة، (یرى باراک انها ستجرى فی النصف الثانی من عام 2008) ستکون مع زعیم حزب اللیکود بنیامین نتانیاهو، وهذا قد یفسر المواقف الیمینیة الأخیرة لباراک التی وصفها رفاقه لـ «یدیعوت احرونوت» (الاربعاء 21/11) بأنها متشددة اکثر من مواقف افیغدور لیبرمان.

ولفهم أشمل للموقف الاسرائیلی تجاه مؤتمر السلام، ینبغی إلقاء نظرة على مواقف ورؤى الشریکین الآخرین فی الائتلاف الحکومی «شاس» و «اسرائیل بیتنا»، فزعیم «شاس» ایلی یشای طالب وزیرة الخارجیة الامیرکیة کوندولیزا رایس بالترکیز على القضایا الاقتصادیة والمعیشیة. واعتبر ان مجرد طرح قضیة القدس للنقاش فی أنابولیس ستعنی خروج «شاس» من الحکومة وبالتالی انهیار الائتلاف. أما زعیم «اسرائیل بیتنا»، أفیغدور لیبرمان فیجدد مشروعه الخاص بشطب حق العودة والقدس من ملف المفاوضات وتبادل أراض وسکان مع السلطة، یشمل التخلص من جزء کبیر من المواطنین الفلسطینیین فی الأراضی المحتلة عام 1948، وکل ذلک یرتبط بتهیئة الأرضیة الاقتصادیة والأمنیة وحتى الثقافیة والأیدیولوجیة للفلسطینیین باعتبار ان الدیموقراطیات لا تتنازع وهی تفضل دائماً الوصول الى حلول عبر الطرق السلمیة والحواریة.

بما ان اسرائیل لا تملک سیاسة خارجیة بل تملک سیاسة داخلیة فقط - بحسب التعبیر البلیغ والشهیر لهنری کیسنجر - فإن مؤتمر أنابولیس لن یکون اکثر من منصة لإلقاء الخطابات وتبادل الصور ومحطة من محطات کسب الوقت والمناورة لتکریس سیاسة الأمر الواقع على الأرض، خصوصاً القدس والضفة، غیر ان اکثر ما یلفت النظر عن مؤتمر السلام الکلام الذی نقلته «هآرتس» عن الرئیس جورج بوش (18/10/2007) الذی قال لأحد سائلیه عن ماهیة المؤتمر وجوهره: «أعدک بأن یکون هذا حدثاً لطیفاً جداً».

ذلک بالضبط ما یرید الاسرائیلیون. حدث لطیف جداً من دون تقدیم أی تنازلات او إرجاع أی من الحقوق الشرعیة والمشروعة للشعب الفلسطینی.

( المقال للکاتب الفلسطینی  ماجد عزام  مدیر مرکز شرق المتوسط للدراسات والإعلام )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 140809