الثلثاء 21 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

الزحف العربی الی انابولیس

 

کتب عبد الباری عطوان فی القدس العربی اللندنیة :

 

قرار وزراء خارجیة الدول العربیة بالذهاب الی مؤتمر انابولیس لم یکن مفاجئا، ولکن المفاجأة تمثلت فی عملیات التضلیل المکشوفة التی مورست من قبل السید عمرو موسی امین عام الجامعة العربیة، والأمیر سعود الفیصل وزیر الخارجیة السعودی لتبریر، او بالأحری تمریر، هذا الذهاب اثناء المؤتمر الصحافی الذی عقداه فی نهایة الاجتماع فی مقر الجامعة العربیة.

الامیر سعود الفیصل ظل یردد طوال الاسابیع الماضیة بان بلاده لن تذهب الی انابولیس الا اذا اقدمت الحکومة الاسرائیلیة علی خطوات عملیة مثل تجمید الاستیطان، وبحث قضایا الحل النهائی، وتحقیق تقدم فی المفاوضات مع الفلسطینیین، ولکن أیا من هذه المطالب لم تتحقق، وقال الرئیس الفلسطینی محمود عباس امام الوزراء المجتمعین ان الخلافات الفلسطینیة ـ الاسرائیلیة ما زالت علی حالها، وان لقاءاته مع اولمرت لم تحقق ای تقدم علی الاطلاق علی صعید القضایا المطروحة.

السید عمرو موسی اکد فی المؤتمر الصحافی نفسه ان العرب لیسوا ذاهبین الی مؤتمر انابولیس من اجل التطبیع، وانما من اجل التفاوض مع الاسرائیلیین، وکأنه کمن یفسر الماء بالماء. فاذا کان الجلوس مع الاسرائیلیین والتفاوض معهم لیس تطبیعا فما هو التطبیع اذن؟

والاهم من ذلک ان الامیر سعود الفیصل قال ان قرار المشارکة العربیة اتخذ لاختبار نوایا اسرائـــــیل، وقطع الشک بالیقین، والمؤلم اننا ومنذ ستین عاما نختبر کعرب هذه النوایا الاسرائیلیة، ونمتحن جدیتها بمبادرات سلام تتضمن تنازلات من مختلف الاشکال والالوان، وتأتی النتیجة سقوطنا نحن فی هذه الاختــــبارات، وفوز اسرائیل بالتنازلات العربیة دون ان تتزحزح ملیمترا واحدا عن مواقفها.

ألم یحن الوقت لکی یتعب العرب من عملیة الاختبارات هذه؟

وحتی القول بان وزراء الخارجیة العرب یشارکون فی المؤتمر من اجل التفاوض، ینطوی علی مغالطات کبیرة، لان المفاوضات لن تتم بین وزراء الخارجیة العرب والاسرائیلیین، وانما بین الاسرائیلیین والفلسطینیین، والهدف من عقد المؤتمر هو اطلاق هذه المفاوضات، وهی مفاوضات بدون جدول زمنی ودون ای ضمانات بنجاحها، او وضع آلیات تطبیق لما یمکن ان تتمخض عنه من حلول.

الدولة العبریة خرجت الکاسب الاکبر من هذا الموقف العربی شبه الاجماعی بالمشارکة، ولذلک لم یکن غریبا ان یعرب مارک ریغیف المتحدث باسم الخارجیة الاسرائیلیة عن سعادته، ویثنی بشدة علی وزراء الخارجیة العرب وقرارهم هذا، ویعتبره ضمانة لنجاح المؤتمر. بینما قالت میری اسین المتحدثة باسم رئیس الوزراء الاسرائیلی نحن سعداء بهذه المشارکة العربیة الواسعة التی تترجم دعما من دول الشرق الاوسط لمسیرة السلام الفلسطینیة ـ الاسرائیلیة .

فالمرجعیات الاساسیة لهذا المؤتمر، والمفاوضات التی ستتمخض عنه، لیس من بینها مبادرة السلام العربیة، وتقتصر فقط علی قراری مجلس الامن رقم 242 و 338 وخریطة الطریق ورؤیة بوش للسلام. والاخیرة تجب ما عداها لانها الاحدث، وتعترف باسرائیل دولة یهودیة، واحتفاظها بالکتل الاستیطانیة الرئیسیة حول القدس المحتلة.

التحول الرئیسی فی الموقف العربی جاء من خلال المکالمات الهاتفیة التی اجراها الرئیس الامریکی بوش مع الزعماء العرب، وخاصة فی المملکة العربیة السعودیة ومصر، وطالب فیها لیس بضرورة المشارکة دون شروط فقط، وانما علی مستوی وزراء الخارجیة ایضا، وکان له ما اراد.

وزراء الخارجیة العرب سیشارکون فی مهرجان الافتتاح وسیصفقون للخطابات التی سیلقیها المتحدثون، وخاصة الرئیس بوش ووزیرة خارجیته الآنسة کوندولیزا رایس، ویدلی بعضهم باحادیث الی بعض محطات التلفزة العربیة والاجنبیة، ثم ینفض السامر، ویعود کل وفد الی بلاده، ویترکون الفلسطینیین وحدهم فی مواجهة الاسرائیلیین فی مفاوضات ماراثونیة یعلم الله متی ستنتهی وکیف وماذا سیتمخض عنها من کوارث.

فالمهم فی نظر الادارة الامریکیة هو انعقاد المؤتمر، والظهور بمظهر الساعی الی تحقیق السلام بین العرب والاسرائیلیین، اما ماذا سیحدث بعد المؤتمر من خطوات فهو الهدف الاساسی المسکوت عنه ویمکن تلخیصه فی عدة سیناریوهات محتملة:

الاول: بدء التصعید والتعبئة لتوجیه ضربات امریکیة ـ اسرائیلیة لمحور الشر السوری ـ الایرانی وما یتفرع عنه من جماعات ارهابیة مثل حزب الله فی لبنان، وحرکة حماس فی فلسطین المحتلة. وعلینا ان نراقب الاعلام الامریکی شبه الرسمی، والقنوات الفضائیة العربیة والاجنبیة التی تشکل امتدادا له، وطریقة تغطیاتها للمنطقة فی الاشهر المقبلة.

الثانی: اجتیاح اسرائیلی لقطاع غزة لانهاء ما یسمی بـ انقلاب حماس واعادة القطاع الی سلطة رام الله الفلسطینیة بزعامة الرئیس محمود عباس، فلیس صدفة ان یعلن ایهود اولمرت اکثر من مرة عن عزمه اجتیاح القطاع، ثم یتراجع تحت الضغوط الامریکیة لتمریر مسألة المشارکة العربیة فی انابولیس وعدم الاقدام علی ای خطوة تحرج النظام الرسمی العربی. ولیس صدفة ان قرارا صدر ببدء تخفیض امدادات الکهرباء للقطاع فی الثانی من کانون الاول /دیسمبر المقبل ای بعد انتهاء المؤتمر.

الثالث: انخراط دول الاعتدال العربیة فی تنسیق مکثف مع اسرائیل والولایات المتحدة، سیاسیا وعسکریا واقتصادیا، وتشکیل جبهة موحدة فی مواجهة الخطر الایرانی الذی یعتبره بعض العرب اکبر بکثیر من الخطر الاسرائیلی.

الرابع: تثبیت مطالب اسرائیلیة جدیدة وتحویلها الی بدیهیات مثل، یهودیة دولة اسرائیل، وعدم شرعیة الوجود العربی فیها، واعتبار ملیون مسلم ومسیحی عربی مجرد لاجئین ینتظرون العودة الی الدولة الفلسطینیة المنتظرة، وتقسیم القدس الشرقیة المحتلة، بعد تغییر طبیعتها الجغرافیة وتغییر ترکیبتها الدیموغرافیة لصالح الیهود.

مؤتمر انابولیس لن یفشل، لأن نجاحه فی انعقاده مثلما قالت الآنسة رایس، وستخرج منه اسرائیل دولة ودیعة محبة للسلام لا یوجد بینها وبین جیرانها العرب ای عداء، بدلیل حضور وزراء خارجیتهم جمیعا تقریبا حفل تتویجها قوة اقلیمیة عظمی وصدیقة تشارکهم مخاوفهم من الخطر النووی الایرانی، وتعمل علی تخلیصهم منه.

الأمر المحیر هو الموقف السوری، فقد کان الرهان ان ترفض سوریة، وهی التی دعیت علی استحیاء شدید، الذهاب الی هذا المؤتمر، فالقول ان الادارة الامریکیة تجاوبت مع الطلب العربی الرسمی بادراج موضوع الجولان علی جدول الاعمال لا یقنع الا القلة المقتنعة اصلا، وحتی اذا ارادت اسرائیل فتح مسار المفاوضات السوری فلکی تتهرب من ای استحقاقات ولو صغیرة علی صعید المسار الفلسطینی الاصعب والاکثر تعقیدا.

الحکومات العربیة اوقعت سوریة فی المصیدة وهیأت لها طریق الغوایة، لکی تذهب الی انابولیس لیس کطرف اصیل مرحب به، وانما کـ محلل للمشارکة العربیة وما یمکن ان یترتب علیها من تبعات.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 140807







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. حركة الجهاد الاسلامي تستبعد التوصل الى اتفاق مع الاحتلال الاسرائيلي
  2. هنية: كل ما يؤدي لحماية المنطقة من الاختراق الصهيوني جهدٌ حيويٌ مهم
  3. منظمة العفو الدولية: إسرائيل استخدمت الأسلحة الأميركية ضد المدنيين بغزة
  4. تصاعد الاحتجاجات في الجامعات الامريكية والاوروبية نصرةً لغزة
  5. القوات المسلحة اليمنية تستهدف مدمرتين عسكريتين أميركيتين في البحر الأحمر
  6. حماس : ضمان وقف إطلاق النار الدائم ركيزة أساسية للانطلاق نحو تفاصيل المفاوضات وإنجاح الاتفاق مع الاحتلال
  7. أنباء عن استهداف سفينة في البحر الأحمر
  8. الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34488
  9. استاذ جامعي استرالي في مقابلة مع "قدسنا": هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية يعد انتهاكا للقانون الدولي / رد إيران كان وفقا للمعايير الدولية
  10. الرّشق: ردُّ حماس حول صفقة التّبادل لا يزال قيد الدراسة
  11. السلطات الأمريكية تعتقل 900 محتجا مؤيدا لفلسطين من الجامعات
  12. كاتب ومحلل كندي في مقابلة مع "قدسنا": فلسطين رائدة في الصمود امام الإمبريالية الأمريكية - الصهيونية / علامات تراجع القوة الأمريكية و زوال الكيان الصهيوني أصبحت أكثر وضوحا
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)