qodsna.ir qodsna.ir

قادة إسرائیل بین الإفلاس السیاسی واستجداء الهویة

قادة إسرائیل بین الإفلاس السیاسی واستجداء الهویة / لا توجد دولة محترمة تستجدی هویتها

 

کتب الاستاذ تیسیر خالد عضو اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر الفلسطینیة وعضو المکتب السیاسی للجبهة الدیمقراطیة  فی مقال استلمته وکالة قدسنا :

فجأة اکتشف زعماء الیمین کما الیسار الصهیونی فی اسرائیل ، کم کانوا فی غفلة من أمر هویة دولتهم ، وهم یتفاوضون مع الدول العربیة ومع منظمة التحریر الفلسطینیة . الصحوة سقطت على هؤلاء الزعماء دفعة واحدة من السماء ، بعد أن أعلن الرئیس الامریکی جورج بوش عن دعوته الى لقاء او مؤتمر دولی فی انابولیس لتسویة الصراع الفلسطینی- الاسرائیلی وعن عزمه على تحقیق رؤیته بقیام دولة فلسطینیة مستقلة ومتصلة وقابلة للحیاة تعیش جنباً الى جنب فی أمن وسلام مع دولة إسرائیل .

لم تکن هویة الدولة مطروحة على جدول أعمال المفاوضات ، التی سبقت التوقیع على اتفاقیة کامب دیفید بین مصر واسرائیل فی أیلول من العام 1978 او معاهدة السلام المصریة – الاسرائیلیة فی آذار من العام 1979 ، ولا هی کانت مطروحة على جدول أعمال المفاوضات التی سبقت التوقیع على معاهدة وادی عربة بین الأردن واسرائیل فی تشرین أول من العام 1993 . فی حینه لم یطرح المفاوض الاسرائیلی على مصر أو على الأردن شرط الاعتراف بدولة إسرائیل باعتبارها دولیة یهودیة أو دولة " للشعب الیهودی " ، وفی ظنی أن قادة مصر والاردن کانوا سیرفضون شرطاً من هذا النوع ، باعتباره غیر مألوف فی العلاقات بین الدول فی المبدأ والأساس.

الأمر لم یختلف فی المفاوضات التی سبقت التوقیع على اتفاقیة اوسلو وما تلاها ، وما أکثرها ، بین إسرائیل ومنظمة التحریر الفلسطینیة ، مثلما لم تتضمن رسائل الاعتراف المتبادل بین الجانبین الفلسطینی والاسرائیلی فی أیلول من العام 1993 أیة إشارة الى هویة الدولة ، التی یعترف بها الجانب الفلسطینی . فی رسالة الاعتراف المتبادل ، التی بعثها الرئیس الراحل یاسر عرفات الى رئیس الوزراء الإسرائیلی فی حینه اسحق رابین ، وقع الرئیس الفلسطینی نصاً مکتوباً جرى الاتفاق المسبق علیه : " أن منظمة التحریر الفلسطینیة تعترف بحق دولة إسرائیل فی العیش فی سلام وأمن وتوافق على القرارین 242و 338 لمجلس الأمن الدولی " .

هویة الدولة ، دولة یهودیة أو دولة "للشعب الیهودی " أو دولة لجمیع مواطنیها الیهود والعرب ، لم تکن مطروحة على جدول أعمال للقاءات او المفاوضات بین الجانبین الفلسطینی ، والاسرائیلی ، إذ لیس من المألوف ان تتفاوض دولة على هویتها او دستورها او سیادتها ، الا فی حالات استثنائیة کأن تقع الدولة تحت احتلال أجنبی یدفعها تحت ضغط القوة الى ذلک ، کما هو الحال هذه الایام فی العراق . أما الدولة المستقلة فإنها لا تقدم على ذلک ولا تبادر الى طرحه ، باعتبار ان الهویة او الدستور او السیادة شأن داخلی من شؤونها .

وفقط خلال قمة العقبة ، التی انعقدت فی حزیران من العام 2003 ، والتی شارک فیها کل من رئیس الوزراء الفلسطینی آنذاک محمود عباس – أبو مازن ورئیس الوزراء الاسرائیلی ، أرئیل شارون والملک عبد الله الثانی والرئیس الامیرکی جورج بوش ، تعرض الأخیر فی خطابه فی القمة الى هذه المسألة ، لیس بهدف طرحها على جدول أعمال أیة أجندة سیاسیة أو تفاوضیة ، بل کتعبیر عن موقف إدارة هی الأقرب الى الیمین والیمین المتطرف فی اسرائیل بین جمیع الادارات الامریکیة السابقة . فی تلک القمة أعلن الرئیس الامیرکی فی خطابه :" ان من شأن قیام دولة فلسطینیة دیمقراطیة تعیش فی سلام کامل مع اسرائیل أن یدفع الى الأمام أمن وازدهار دولة اسرائیل ، باعتبارها دولة یهودیة " .

ما جاء فی خطاب الرئیس جورج بوش فی تلک القمة کان موقفاً سیاسیاً ولم یتبادر الى ذهن احد فی حینه ان ذلک الموقف السیاسی سوف یتحول على أبواب لقاء او مؤتمر انابولیس الى شرط تفاوضی یتسابق قادة الأحزاب السیاسیة والکتل البرلمانیة فی إسرائیل على إشهاره فی وجه المفاوض الفلسطینی ، أو على استخدامه عصا غلیظة فی دولاب التسویة السیاسیة او وسیلة من وسائل التهرب من استحقاقات التسویة .

استحضار هویة الدولة وطرحها شرطاً لانطلاق عملیة سیاسیة ومفاوضات جادة للتوصل الى تسویة سیاسیة للصراع أو شرطاً للمصادقة على أی تفاق یمکن التوصل إلیه حول قضایا الوضع النهائی ، هی الآن بضاعة رائجة فی اسرائیل ، ملثما هی بضاعة رائجة حمى التسابق فی الکنیست على مشاریع قوانین تعبر اصدق تعبیر عن مدى الافلاس السیاسی ، الذی انحدر إلیه قادة الاحزاب الصهیونیة فی المجتمع الاسرائیلی وقادة الکتل البرلمانیة الصهیونیة فی الکنیست الاسرائیلی .

فی هذا الاطار یندرج مشروع القانون المعروض على الکنیست حول القدس ، والذی یشترط موافقة 80 عضوا من أعضائة على أی تعدیل فی وضع المدینة أو حدودها البلدیة او الصلاحیات المنسوبة الى مجلسها البلدی ، والذی مر فی القراءة التمهیدیة بتواطؤ صریح بین الحکومة والمعارضة فی الکنیست ، ومشروع القانون الجدید ، الذی تقدم به دافید روتیم من کتلة لیبرمان ، وزیر التهدیدات الاستراتیجیة ، حول ربط حق الحصول على المواطنة بإعلان الولاء للدولة على نحو لیس من الصعب التکهن بنتائجه . حزب لیبرمان ، یشارکه فی ذلک أحزاب أخرى ، یشترط فی مشروع القانون ان یتعهد المواطن بأن " یکون مخلصاً لدولة اسرائیل کدولة یهودیة صهیونیة دیمقراطیة (!!) ولرموزها وقیمها " ، ویتعهد مع غیره من الاحزاب بقانون مماثل یشرعه الکنیست یفرض على المفاوض الفلسطینی وبالتالی على الفلسطینیین الاعتراف باسرائیل دولة یهودیة صهیونیة دیمقراطیة کشرط لایة تسویة للصراع الفلسطینی – الاسرائیلی . لیس هذا فحسب ، بل ان الکنیست الاسرائیلی صادق مؤخراً بالقراءة التمهیدیة على مشروع قانون ، لا تخفى أبعاده على احد ، یمنع من یزور دولة معادیة ، مجرد زیارة ، من حقه فی الترشح لعضویة الکنیست .

ایهود اولمرت وایهود باراک وقبلهما بنیامین نتنیاهو لیسا بعیدین عن هذه الاجواء من الافلاس السیاسی . ایهود اولمرت یعتبر اعتراف المفاوض الفلسطینی باسرائیل کدولة یهودیة ، کوطن قومی للشعب الیهودی نقطة الانطلاق فی المفاوضات ، أما نقطة النهایة فهی نهایة الصراع ونهایة المطالبات . ایهود باراک ، زعیم حزب العمل ووزیر الجیش فی الحکومة ، وجد نفسه یلعب فی نفس الملعب ، اما نتنیاهو زعیم اللیکود فقد بدأ اتصالاته مع اسرائیل بیتینو/ لیبرمان ومع حزبی شاس وایحود لیئومی من اجل تقدیم مشروع قانون الى الکنیست من اجل ربط المفاوضات مع الجانب الفلسطینی باعتراف فلسطینی باسرائیل کدولة یهودیة ووطن قومی " للشعب الیهودی ".

لا یخفى على احد الهدف ، الذی یسعى إلیه قادة اسرائیل من وراء حشر هویة الدولة فی المفاوضات . ذلک ابتزاز سیاسی بامتیاز وفوق ذلک عصا غلیظة فی دولاب التسویة السیاسیة ، فضلاً عن أبعاده الاخرى وتداعیاته الخطیرة . فاعتراف الجانب الفلسطینی باسرائیل دولة یهودیة ، أو باسرائیل کما یراها افیغدور لیبرمان ، القادم الجدید من روسیا ، یستدعی بشکل منطقی اعتذارا لمملکة صاحبة الجلالة فی بریطانیا العظمى ولروح آرثر بلفور واعتذارا مماثلاً للحرکة الصهیونیة والوکالة الیهودیة على ما بدر عن الشعب الفلسطینی من رفض ومقاومة لمشاریع الاستیطان والتهوید فی عهد الانتداب البریطانی على فلسطین قبل قیام دولة اسرائیل ، ویستدعی بشکل منطقی النظر الى الفلسطینیین ، الذین واصلوا ویواصلون الحیاة على ارض وطنهم فی دولة إسرائیل باعتبارهم غرباء عن وطنهم وجالیة مقیمة حقوقها مطروحة على بساط البحث ومصیرها معلق ومعرض لشتى المخاطر ، بما فی ذلک الترانسفیر الطوعی او القسری ، کما یستدعی کذلک التنکر لقرارات الشرعیة الدولیة بشأن حقوق اللاجئین بما فیها القرار 194 ، وربما یستدعی الشعور بعقدة ذنب ینبغی التخلص منها بتعویضات یقدمها الشعب الفلسطینی لدولة إسرائیل على الطریقة الألمانیة .

الصحوة بشأن هویة الدولة وما یرافقها من مشاریع قوانین یجری الاعداد لعرضها على الکنیست ، لیس المؤشر الوحید على مدى الإفلاس السیاسی ، الذی تعیشه الحیاة السیاسیة فی إسرائیل فی کل ما یتصل بالجهود ، التی تستهدف إطلاق عملیة سیاسیة فی لقاء او مؤتمر انابولیس تفضی الى مفاوضات من شأنها أن تساعد على الخروج من نفق الصراع المظلم الى آفاق أوسع تفسح المجال أمام القیادات الاسرائیلیة لتحریر مجتمعها من مواصلة التخبط فی حالة تناقض بین دولة تعیش فی الأساطیر وتتغذى علیها ودولة مدنیة دیمقراطیة دخلت منذ زمن مراحل متقدمة من الثورة العملیة التکنولوجیة ، باعتبار ذلک هو المدخل لحل یقوم على دولتین تعیشان جنباً الى جنب فی أمن واستقرار دونما إجحاف بالحقوق الوطنیة المشروعة ، التی تکفلها قرارات الشرعیة الدولیة للشعب الفلسطینی بما فی ذلک حقوق اللاجئین الفلسطینیین .

هویة الدولة ، التی حولتها القیادات السیاسیة فی إسرائیل على أبواب أنابولیس الى قضیة أیدیولوجیة لیست وحدها هی العقبة التی تعترض جهود التسویة ، فهنالک عقبات أخرى عدیدة تضعها هذه القیادات بالتواطؤ مع الادارة الامیرکیة فی طریق هذه الجهود ، کعقبة الأمن وربط  تطبیق أی تفاق یتم التوصل الیه فی مراحل لاحقة بتنفیذ الجانب الفلسطینی ما علیه من التزامات نصت علیها المرحلة الاولى من خارطة الطریق الدولیة ، الأمر الذی یسلح اسرائیل بحق الفیتو ویمکنها فی کل لحظة من تجمید أی اتفاق عند البوابات والحواجز الامنیة للمرحلة الاولى من الخطة الدولیة ، وهنالک کذلک عقبة الاستیطان والکتل الاستیطانیة وجدار الفصل العنصری وما یصاحب ذلک من حدیث حول تسویات تستند الى تبادل فی الاراضی وربما کذلک تبادل فی الاراضی والسکان یضع الجانب الفلسطینی أمام الممر الإجباری للقبول بدولة معازل متصلة من خلال أنفاق وجسور ولکنها بالتأکید لن تکون دولة قابلة للحیاة .

هنا کان ایهود اولمرت ، رئیس وزراء اسرائیل على صواب تماماً عندما تحدث عن علاقات متمیزة للغایة قامت الادارة الامیرکیة الحالیة برعایتها بعنایة ، حیث قدمت للاسرائیلیین ما اسماه اولمرت ثروة مهمة مرتین : الاولى فی رسالة الرئیس جورج بوش الى رئیس الوزراء الإسرائیلی السابق أرئیل شارون فی نیسان 2004 وقبلها خارطة الطریق فی آذار 2003 . ایهود اولمرت نسی ان یضیف ثروة مهمة ثالثة وهی هویة الدولة ، التی جاء الرئیس الامیرکی على ذکرها فی قمة العقبة فی حزیران من العام 2003 .

مع ذلک ، وقد بات الجمیع على مقربة من موعد الحفل فی انابولیس ، تحضرنی هنا مقالة للکاتب الاسرائیلی عاموس کرمئیل قبل أیام فی صحیفة "یدیعوت احرونوت " وضع لها عنواناً معبراً یقول :" لا توجد دولة محترمة تستجدی هویتها " .

ن/25


| رمز الموضوع: 140802