غزة تصرخ فی أول أیام عید الأضحى

یحل عید الأضحى على قطاع غزة فی ظل وضع مأساوی بسبب حالة الإنقسام الداخلی التی یرافقها أیضا تحذیرات من وقوع کارثة إنسانیة بسبب الحصار، ولم تشفع قدسیة العید أیضا للمواطنین لمنحهم فرصة الشعور بالفرح أو الأمل بالحیاة، وبدلاً من ذلک تلقوا الصواریخ والقنابل التی إنهمرت من الطائرات الحربیة والدبابات الإسرائیلیة فقتلت خلال الساعات الأربع وعشرین الماضیة 11 فلسطینیاً، إنشغل سکان غزة أمس الثلاثاء فی تشییع جنازاتهم بعدما کان البعض منهم یخطط للإستعداد لإستقبال فرحة العید، کما إنخرطت العشرات من البیوت فی تودیع الأب أو الصدیق أو الأخ أو الابن، وبات شعاع السعادة بالنسبة إلیها وهماً.

و یأتی الهجوم الإسرائیلی بالتزامن مع حصار خانق یعرض جمیع مفاصل الحیاة فی القطاع للموت البطیء. ومن یتجول فی شوارع غزة یدرک حجم المأساة التی یعیشها القطاع حیث شحت الکثیر من البضائع ومستلزمات الحیاة، ومن توفر منها فأن سعره خیالی، ولم یتمکن العدید من أصحاب الدخل المحدود من توفیر الأضاحی أو حتى الملابس لأطفالهم لکی یفرحوا بالعید، بالإضافة إلى طبقة باتت تعتبر من المعدومین غیر القادرین على توفیر قوتهم الیومی.

و بینت دراسة أعدها الباحث غازی الصورانی ونشرت مؤخراً أن الارتفاع المتوالی للأسعار فی قطاع غزة (أدى إلى تغیر إکراهی مریر ومذل فی أنماط الاستهلاک لدى الأسر الفلسطینیة من أصحاب الدخل المحدود). وکذلک اتساع حجم البطالة و الفقر، وارتفاع نسبة الإعالة 1-6 تقریباً (البطالة فی قطاع غزة الیوم تصل إلى 33% ما یعادل 99 ألف عاطل، من مجموع القوى العاملة البالغة حوالی 300 ألف). کما یشاهد توقف الکثیر من السیارات على أرصفة الشوارع بعدما عز وجود الوقود الذی قلصت إسرائیل عملیة إدخاله للقطاع، وبات یلجأ معظم المواطنین لقضاء حاجاتهم على أقدامهم لتوفیر أجرة التنقل، فی وقت یشکوا البعض من غلاء المواصلات، ولکن السائقون یقولون إن ذلک جاء بسبب غلاء الوقود.

یأتی عید الأضحى، ویوجد فی قطاع غزة ما یقارب ألف حالة مرضیة تحتاج للعلاج فی الخارج، وحسبما أفاد النائب جمال الخضری رئیس اللجنة الشعبیة لمواجهة الحصار فی قطاع غزة فأن ألاف المرضى فی القطاع یحتاجون للدواء الذین لم یعد متوفراً، وهو ما یعرض حیاة معظمهم لخطر الموت. وبین النائب الخضری أن العدید من المرضى الذین یحصلون على تصریح للسفر للعلاج بالخارج، یذهبون للحواجز عدة مرات وتعیدهم قوات الاحتلال، مثلما حدث مع الطفل شادی الیازجی، والذی حصل على تصریح وحاول مغادرة القطاع خمس مرات، وفی کل مرة کانت سلطات الاحتلال تختلق ذرائع جدیدة.

و تؤکد المعطیات الصادرة عن مؤسسات حقوق الإنسان العاملة فی القطاع أن الحصار سیؤدی لانفجار الوضع خلال الفترة المقبلة، وبخاصة فی ظل استفحال مظاهر الفقر والبطالة وکل أشکال المعاناة والحرمان التی یعانی منها کافة السکان.

و یرى المواطنون فی غزة أن عیدهم، سیأتی حینما یتوقف الاحتلال عن اغتیالاته وتفتح المعابر التی تمثل منافذ القطاع على العالم الخارجی، وأغلقت منذ سیطرة حرکة (حماس) على القطاع یونیو الماضی. وترفض صورة معاناة أحد المرضى الفلسطینیین على معبر إیرز مغادرة ذاکرة الشاب منیر الکرد الذی یصف المشهد، قائلاً: "قدم حاج یتجاوز عمره 77 عاماً بسیارة إسعاف لمعبر ایرز، وکان یعانی من نزیف وحالة إغماء تام". ویضیف: "تم التنسیق مع الجانب الإسرائیلی لنقله لداخل الخط الأخضر لعلاجه، وبعد أن تقدمت سیارة الإسعاف باتجاه الحاجز أطلق جنود الاحتلال النیران باتجاهها، وبعد العدید من الاتصالات، ماطلت قوات الاحتلال بإدخاله لمدة 55 دقیقة، تحت مزاعم أنها تحتاج لتفتیشه رغم أنه فی حالة غیبوبة ونزیف، وبعد السماح له بالدخول وعودة أهله للقطاع، أتصل الجانب الإسرائیلی بالجانب الفلسطینی وابلغه بضرورة القدوم لاستلام المریض، لأنه ممنوع من الخروج من غزة".

و یشار أن جمیع القطاعات الإنتاجیة فی قطاع غزة تتعرض للشلل، وبحسب الدراسة التی أعدها الصورانی، فأن الخسائر الإجمالیة المباشرة للحصار تقدر بحوالی 48 ملیون دولار شهریاً، وتتوزع على قطاع الصناعة بمعدل 16 ملیون دولار شهریاً بنسبة 33%، وعلى قطاع الزراعة بمعدل 12 ملیون دولار شهریاً بنسبة 25 % وعلى القطاعات الأخرى، التجارة والإنشاءات والخدمات والصید بمعدل 20 ملیون دولار شهریاً بنسبة 42%.

و توضح الدراسة ذاتها، أن الخسائر الیومیة غیر المباشرة، تزید عن خمسة ملایین دولار یومیا، ویرجع ذلک لعدة أسباب أهمها: انخفاض الدخل القومی وانخفاض المدخرات وتراجع نصیب الفرد من الناتج المحلی بصورة ملحوظة بسبب استمرار سیاسة الحصار الاقتصادی المشدد، والانهیار المتواصل فی البنیة الاقتصادیة لقطاع غزة، سواء بالنسبة للموارد المادیة الضعیفة تاریخیا، أو بالنسبة للمنشات الصناعیة التی توقف أکثر من 90% منها عن العمل، وکذلک الأمر بالنسبة لقطاع الزراعة الذی توقف عن التصدیر بصورة شبه کلیة، إلى جانب التدهور المریع فی قطاع الإنشاءات والتجارة والخدمات فی سیاق التراجع الحاد للواردات والصادرات بصورة غیر مسبوقه.

م/ ن /25