السلام العادل لا تصنعه النوایا الحسنة

اعتاد العرب والفلسطینیون على وجه الخصوص الرمی بالمسؤولیة على الولایات المتحدة کلما تأکد لهم أن عملیة السلام فی الطریق المسدود  أو أنها قد فشلت، وهذا صحیح بوصفها محتکرة لعملیة السلام والوصی غیر المرسم  علیها، ولکنهم یتجاهلون مسؤولیاتهم.

وقد کانت قناعتهم المستمدة من السیاسة الساداتیة  بقدرة واشنطن على تحقیق السلام فی المنطقة، من القوة إلى درجه لم یعد یشعر أی  منهم  بالحاجة إلى التفکیر بإستراتیجیة  بدیلة، وربما لا یزالون مقتنعین بأن أمریکا لن تسمح ببقاء هذا الانهیار على حاله، وان مصلحتها سوف تتغلب أخیرا على تعنت إسرائیل. وسیکون من سوء  الطالع علینا جمیعا أن  یکون هذا الاقتناع الدفین بأن أمریکا  لن تتخلى عن دورها، ولن تسمح بضیاع فرصة السلام، لما  یمثله هذا من  مخاطر على مصالحها ومصداقیتها، هو الذی سوف یتحکم فی سلوکهم القادم، ویحدد دورهم  فی  المرحلة القادمة التی تجدد فیها الحدیث عن العودة إلى مفاوضات السلام والحل النهائی، فلن تکون النتیجة إلا ترسیخ الاستسلام  والقضاء نهائیا على أی رد فعل عملی وجدی، وهذا ما تسعى واشنطن إلیه.

إن  اکبر خطأ یمکن أن  یرتکبه هؤلاء فی المرحلة القادمة هو استمرارهم  فی هذا الاعتقاد، سواء کان ذلک بحسن نیة  نتیجة التعهدات التی  وعد بها  بوش أو التی تؤکد علیها رایس، أو الزعم بما یمکن أن یقود إلیه مثل هذا الاحتمال من انفجار، وبالتالی تهدید المصالح الأمریکیة  فی المنطقة..!!

ولا ادری من أین جاءوا بهذا التحلیل أو الاعتقاد، إن  لم  یکن تبریرا لما قد یحصل، أو تعویضا عن العجز وغیاب القدرة على تحصیل حقوقهم بإمکانیاتهم  الذاتیة. صحیح أن الولایات المتحدة  ترغب فی أن  یکون  هناک سلام  ولا ترغب فی أن  یکون هناک حرب ضد  إسرائیل  أو التهدید باستخدامها، ولکن طالما لیس هناک خطر على إسرائیل ولا ضغط جدی على أمریکا  نفسها، فأن واشنطن تعتبر أن  السلام قد تحقق. فلا بهمها أن یکون ذلک على حساب العرب أو لا .. فهذه قضیة تحلها فی نظر الإدارة الأمریکیة  المفاوضات الثنائیة المباشرة وأن کل ما یهمها هو إلغاء العنف بکل أشکاله ضد إسرائیل وعدم تعریض استقرار المنطقة للخطر.

إن واشنطن لا تقیم سیاستها على أساس قرارات الأمم  المتحدة ولا تحترمها، وتعتبر أن  ضمان الاستقرار فی   المنطقة وبالتالی مصالحها یتمثل فی السیر خلفها ومحاربة (الإرهاب) ومن لیس معها فهو ضدها. وقد أتاحت هذه  الفلسفة التی سارت وراءها  وانخرطت فیها معظم  الدول العربیة، إلى  تجمید القضایا العربیة الأساسیة واحتکار  واشنطن لساحة العمل السیاسی والعسکری فی المنطقة وتقدیم إسرائیل  کرائدة  للحرب على الإرهاب، وضمن ذلک یدخل الدعم غیر المشروط  لإسرائیل.  کما یدخل فی هذه الحسابات أیضا وجود القوات الأمریکیة فی الوطن العربی والتدخل المباشر فی شؤونه دون العودة إلى الدول العربیة إلا بقدر ما هو مطلوب منها.

من هنا، وإذا  کان من غیر المنطقی  ومن غیر  الممکن کذلک المراهنة على الوعود والتعهدات الأمریکیة فی إنجاح  عملیة السلام کما کانت دائما، فلیس للعرب والفلسطینیین محید عن إعادة  النظر فی اعتقادهم هذا والتفکیر جیدا بمصالحهم  وبخطتهم الخاصة لإنقاذ هذا السلام، والخروج  من حالة التهمیش والإقصاء عن قضایاهم المصیریة.

لقد أدى  غیاب الموقف الثابت والموحد ورد الفعل العربی طوال السنوات الماضیة إلى جعل الإسرائیلیین یعتقدون انه  بالإمکان  تحقیق السلام مع العرب من دون تنازلات  تذکر، بل رفعوا مستوى مطالبهم الأمنیة والعنصریة إلى مستوى ضمان امن الدولة الیهودیة، ولن یتمکن  الفلسطینیون من العودة بعملیة السلام العادل إلى  الطریق الصحیح، وبالحد الأدنى من التوازن ما لم  ینجحوا مسبقا فی کسب  الرأی  العام  الدولی  والعربی والإسلامی لقضیتهم العادلة، وإشعار الرأی العام الإسرائیلی  باستحالة السلام إن لم یکن عادلا.

إن  الفوز فی معرکة السلام  والوصول إلى  الأهداف  المتوخاة یستدعی من الفلسطینیین الخروج من حالة الانقسام الداخلیة والشرذمة المستفحلة، فمن المبکر جدا الصراع على جلد الدب قبل اصطیاده.

( المقال للکاتب والمحلل السیاسی الفلسطینی جمال سلامه )   

ن/25