الجمعه 17 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

دولة الوعود

 

 ها قد انفض مؤتمر أنابولیس کما کان متوقعاُ بجملة من صور تذکاریة رقیقة تشبه إلى حد کبیر ما تم التقاطه فی مؤتمرات احتفالیة سابقة بدئاً بواشنطن 1993 مروراً بوای بلانتیشن ووصولاً إلى کامب دیفید 2000، وقد تکون قد اختلفت الوجوه قلیلاً أما الجدید هذه المرة هو ما نطق به رئیس الولایات المتحدة الأمریکیة عن دولة الیهود وهی أول مرة یتحدث بهذه الصراحة عن الصبغة الیهودیة لدولة إسرائیل، ولا یرى المسؤولین الأمریکیین خطأً یستحق المراجعة فی هذا التصریح بإشارة منهم إلى قرار الأمم المتحدة 181 الذی تحدث عن دولة یهودیة ودولة عربیة، ولکنهم نسوا أن العرب رفضوا هذه القرار آنذاک رغم تمسکهم بحدود 1967 فی یومنا هذا، وهو الأمر الذی أثار حفیظة وعروبة السعودیة لتعبر صراحة عن رفضها لمثل هذا التصریح، بینما آثر الآخرون أن یلتزموا الصمت حیاله عملاً بأحکام "الدبلوماسیة والعقلانیة".

ورغم هذا التصریح المثیر للجدل لرئیس الولایات المتحدة الأمریکیة، إلا أن أکثر المشارکین رأوا أن المؤتمر حقق نجاحاً ملموساً، والمثیر أیضاً أنه مازال البعض یؤمن بوعد الدولة وفی أنها قادمة بلا شک بنهایة عام 2008.

لقد ذکرنا فی مناسبة سابقة أنه وبسبب قناعة الجمیع بأن مؤتمر أنابولیس سیکون فاشلاً فإن أی شیء یصدر عنه سیعتبر نجاحاً وهو ذا ما حدث بالفعل، ولکن النجاح الحقیقی فی هذا المؤتمر یتمثل فی تواجد 40 دولة ومنظمة وعدد من الدول العربیة جنباً إلى جنب مع إسرائیل، وتغییب وعزل طهران وحماس وحزب الله خاصة فی ظل حضور سوریا الشکلی. من هنا نجد أن بدایة عودة سوریا نحو "المعسکر المعتدل" بعیداً عن "محور الشر" هو نجاحاً خالصاً لمنظمی أنابولیس بلا أدنى شک، وربما کان الثمن الذی دفعه الأمریکیون هنا هو القبول بدور روسی فی عملیة السلام وکذلک إقامة مؤتمر مشابه لأنابولیس فی موسکو لتجسید فک ارتباط دمشق عن طهران وتدشین دوراً روسیاً جدیداً فی السیاسة الخارجیة لمنطقة الشرق الأوسط، ولتترک سوریا حزب الله یلاقی مصیره وحده بعد أن بدأت تتساقط أوراق الخریف من حوله لتنذر بتغیر مناخی کبیر ومحتمل فی أجواء الشرق الأوسط "الجدید".

 لنضع القضیة الإقلیمیة جانباً ونتحدث عن القضیة الفلسطینیة والمفاوضات والدولة، ففی حین یرى بعض المراقبون أن أحد أهم إنجازات هذا المؤتمر هو تدشین مفاوضات "تاریخیة" بحضور رئیس الولایات المتحدة الأمریکیة والاتفاق على إنجاز معاهدة سلام بنهایة عام 2008 وکذلک إیمان الجمیع بأن حل الدولتین هو السبیل الوحید لاستقرار هذه المنطقة، أظهر آخر استطلاع رأی للشارع الإسرائیلی بأن 83 % من الإسرائیلیین لا یعتقد أنه سیتم توقیع اتفاق سلام دائم مع الفلسطینیین مع نهایة 2008، فماذا لنا أن نتوقع فی رأی الشارع الفلسطینی؟!!!

 یبدو أن بوش انتظر حتى یزول عرفات وشارون عن الخارطة السیاسیة أو ربما کان ینتظر صفعة جنوب لبنان وغزة للإسرائیلیین والفلسطینیین تباعاً لکی یستطیع أن یجلبهم إلى عقر داره ویسجل إنجازاً تاریخیاً حین یتحدثوا عن معاهدة سلام وحلم دولة فلسطینیة، ولکن کل ما حدث بالفعل هناک فی أنابولیس لا یعدو أکثر من بیان مشترک غیر ملزم حیث أن أحداً لا یستطیع أن یجزم إن کان أطراف البیان یعنون ما کتب فیه أم أنها فقط رغبة منهم بعدم رؤیة وفودهم تعود من مؤتمر فاشل.

الحقیقة الوحیدة هنا هو أن عدم وجود ضمانات أمریکیة ملزمة فی جمیع الاتفاقات ومبادرات السلام السابقة أدى إلى فشلها وانهیارها بعد فترة قصیرة من الزمان لیعود الأطراف لمواقعهم أکثر تصلباً وعنفواناً.  وإن تعمقنا أکثر فی أهم نتائج المؤتمر المعلنة وهو التأکید على ضرورة التوصل لاتفاق سلام دائم قبیل انتهاء 2008 یؤدی لقیام دولة فلسطینیة مستقلة، نجد أن هناک العدید من الحقائق والمعطیات الواجبة تدارسها.

 إن صیغة الدولة الفلسطینیة ولیس الدولة الفلسطینیة هی لب الخلاف بین الجانبین، فیبحث الفلسطینیون عن ثوابتهم الوطنیة بدولة کاملة السیادة تنعم باستقلال سیاسی واقتصادی وأمنی والقدس عاصمة لها، وأرض خالصة للفلسطینیین فی قطاع غزة والضفة الغربیة، بلا مستوطنات أو غیرها فی حدود 1967 وقد تعنیهم المساحة أکثر من الموقع، مع ضمان حق عودة اللاجئین، بالإضافة لبعض القضایا الأخرى المدرجة أیضاً على جدول أعمال المفاوضات مثل قضیة المیاه والحدود والمعابر والمعبر الآمن. فلنقل أن طاقم المفاوضات الإسرائیلی وصل إلى حل وسط یرضی الفلسطینیین بتلبیة الحد الأدنى من الثوابت الفلسطینیة، هل لدى أولمرت شرعیة التنازل عن مناطق ومستوطنات وغیرها فی ظل ذلک الائتلاف الحکومی الهش؟!!  الخطوة الأولى من تطبیق ما تم الاتفاق علیه فی أنابولیس هو بدء الجانبین الفلسطینی والإسرائیلی بتنفیذ خطة خارطة الطریق والتی تشمل إخلاء إسرائیل لکل البؤر الاستیطانیة غیر القانونیة وتجمید المستوطنات وإعادة الجیش إلى خطوط ما قبل الانتفاضة الثانیة، وفی ذات الوقت یقول الوزیر الإسرائیلی لیبرمان انه لن یفعل شیئا فی الوقت الحاضر إلا إذا قام أولمرت بإخلاء حتى بؤرة استیطانیة واحدة غیر قانونیة، فسیغادر فی نفس الیوم.  السقوط السیاسی لهذا الائتلاف هو النتیجة الطبیعیة إن سلک أولمرت هذا الدرب وخاصة فی ظل تربص غرمائه السیاسیین مثل باراک ونیتنیاهو والمستعدین لتحطیم الحکومة فی ذروة المفاوضات "التاریخیة" فی سبیل الوصول إلى سدة الحکم، ومن هنا فالمتوقع لأولمرت أن یقوم بتحرکات فارغة المضمون لا تقود، ولا یمکن أن تقود إلى أی شیء سوى الاستمرار فی منصب رئیس الوزراء.

أما وضع الطرف الآخر فلیس بأحسن حال من وضع نظیره الإسرائیلی، فالشق المرتبط بالفلسطینیین یجبرهم على القیام بعدد من الترتیبات الأمنیة أهمها جمع السلاح وتفکیک مجموعات المقاومة المسلحة فی جمیع أراضی السلطة الفلسطینیة، ولقد شرع فی تنفیذ التزاماته فی الضفة الغربیة، ولکن کیف له أن یطبق هذا الالتزام فی قطاع غزة وهی خارج نطاق سیطرته ؟!!  فی ذات الوقت، إن قررت إسرائیل القیام بأی هجوم على غزة لأی سبب أمنی (لوقف إطلاق الصواریخ) أو سیاسی( للتغطیة على تقریر فینغراد 2 والذی سیصدر نهایة هذا الشهر) فستظهر للشارع الفلسطینی وکأن إسرائیل تقوم بتنفیذ الالتزام الخاص بقطاع غزة بالنیابة وستکون خسارة الجانب الفلسطینی کبیرة وتراجع عظیم فی شعبیته مقابل منافسیه المحلیین.

 إن وضع جدول زمنی لحل شامل خلال 2008 یضع الکثیر من علامات الاستفهام والتعجب فی آن واحد وخاصة فی ظل عدم وجود ضمانات فی وقت ستدخل أمریکا فی مرحلة الانتخابات فی 2008 وحینها تصبح الأولویة الملحة الفوز بالانتخابات (المحلیة) بعیداً عن أی قضایا خارجیة.

ذات یوم اختلف رئیس الوزراء الإسرائیلی دافید بن غوریون مع ووزیر خارجیتة موشیه شریت، حین اعتقد الأخیر انه لولا قرار الأمم المتحدة فی العام 1947 لما قامت دولة إسرائیل، بینما کان بن غوریون یرى أنه "فقط جسارة الیهود أقامت دولة إسرائیل".  حقاً إن الکفاح یصنع الأحرار والوعود تجلب المزید من الانتظار، ومازال من فینا یؤمن بأن وعد الدولة سیصدق وسننعم قریباً بالاستقرار، وکأنهم لم یشاهدوا وعد دیمقراطیة العراق فی الصحف أو فی الأخبار، وتناسوا ما تعلمناه فی کتب الأجداد وفی الأسفار، عن حکایات المقاومة والصمود والسقوط والنهوض والاستبسال وأساطیر الکفاح الجبار، وأن الاستقلال لا یقدم وعداً أو منحة، لأن الحریة وجدت لتنتزع، والاحتلال خلق لیقتلع، وستکون دوماً هذه هی قصة کل الأحرار.   

 

 

( المقال بقلم الکاتب والصحفی الفلسطینی  فادی الحسینی فی موقع أمین )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 139338







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. القائد العام للجيش الإيراني: إيران اثبتت للعالم ان اي تهديد موجه ضدها سيواجه برد دقيق وماحق
  2. استقالة متحدثة باسم الخارجية الأمريكية بسبب الحرب على غزة
  3. باقري امام اجتماع مجموعة "بريكس": مفتاح الاستقرار واستتباب الهدوء في المنطقة يتمثل في وقف جرائم الكيان الصهيوني
  4. قائد حركة انصار الله: الأمريكي هو شريك للعدو الإسرائيلي في كل جرائمه الفظيعة ضد الشعب الفلسطيني
  5. الفصائل الفلسطينية تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح الاحتلال رفح
  6. ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة إلى 141
  7. قيادي في حماس: عملية طوفان الأقصى حققت أبعادها السياسية والاستراتيجية والإنسانية
  8. القوات المسلحة اليمنية : استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين في خليج عدن وسفينة إسرائيلية في المحيط الهندي
  9. بعد استقالة حاليفا.. "تأثير الدومينو" يلحق قيادات الجيش الصهيوني
  10. بيان إيراني باكستاني مشترك ضد الكيان الصهيوني
  11. خلال استقباله حشدا من العمال في انحاء البلاد.. قائد الثورة الإسلامية: جميع الشعوب تدعم فلسطين / الارهابيون الحقيقيون هم من يقصفون الشعب الاعزل في غزة
  12. قيادي في "حماس" : لدى الحركة نحو 30 أسيرا من الجنرالات وضباط الشاباك
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)