qodsna.ir qodsna.ir

تعذیب الفلسطینیین فی السجون الاسرائیلیة

کما کل المجموعات البشریة التی تتقاسم ظروفاً ویومیات متشابهة فی أماکن محددة، وتخترع مفرداتها وتعابیرها، لا بل ولغتها التی قد لا یفهمها أحد الدخلاء على المجموعة، شکل الأسرى الفلسطینیون والعرب فی السجون الإسرائیلیة على مدى أربعین عاماً من السجن والقهر والتعذیب، لغتهم الخاصة. فجمیع الأسرى یعرفون عذاب «الأکس» وقهر «الشبح» ومذلة «التمام» أو «العدد». وقد مروا حتماً على «التشخیص» وذاقوا «الجرد»، وبعضهم تعرف على «الزوندة» وشارک فی «التعمیم» وابتلاع «الکبسولات». کیف یتکلم أسرانا فی السجون الإسرائیلیة وای لغة یستخدمون. تحقیق ألیم حول لغة لا یعرف معناها الحقیقی إلا من جرب المرادف الحیاتی لکل لفظة من الفاظها.

انضم اخیرا إلى القائمة التی یطلق علیها الأسرى الفلسطینیون والعرب فی سجون الاحتلال اسم «شهداء الحرکة الأسیرة»، شابا جدیدا، هو محمد الأشقر، الذی قال زملاؤه فی سجن النقب، بأن قوات الاحتلال الإسرائیلی الخاصة أعدمته وهو مکبل الیدین، بعد اقتحامها للسجن، بینما أصیب نحو 250 من زملائه بجروح.

وأعادت وفاة الأشقر، للشارع الفلسطینی، بعضاً من حیویته التی یفتقدها، فتحرک نصرة للأسرى فی السجون الإسرائیلیة، والتی کانت طوال سنوات المکان الذی «تخرج» منه عشرات من الشعراء، والکتاب، والصحافیین، والمترجمین.

ویوجد الآن نحو 11 ألف أسیر فی السجون الإسرائیلیة، وهو عدد کبیر جدا قیاساً إلى عدد سکان الضفة والقطاع الذی یقل عن 3 ملایین نسمة. ولا یمکن الزعم، لأسباب کثیرة، بأن الحرکة الأسیرة فی السجون الإسرائیلیة، ما زالت تلعب نفس الدور الثقافی الذی لعبته فی السابق، وباقتدار عجیب، بعد أن اثر علیها، ما یصفه البعض، بالتشویهات العمیقة التی أصابت الجسم الفلسطینی بعد اتفاق أوسلو.

ومثلما تشکل أی مجموعة مهنیة أو اجتماعیة لغتها الخاصة وتبتکر ألفاظها، التی تفتن علماء اللغة بدلالاتها ورموزها، حدث الشیء نفسه بالنسبة للأسرى فی السجون الإسرائیلیة.

وخلال 40 عاما من تجربة الأسرى الفلسطینیین فی السجون الإسرائیلیة، طوّر هؤلاء مفردات خاصة بهم یتم تداولها بشکل کبیر داخل السجون حتى أصبحت لغتهم الخاصة بهم.

ویقول الباحث عیسى قراقع «واقع الأسرى یمثل حالة اجتماعیة وسیاسیة فریدة، أفرزت منظومة من التعبیرات والمفردات التی اکتسبت خصوصیة ذلک الواقع الصعب والمعقد».

ورصد قراقع، وهو نائب فی المجلس التشریعی الفلسطینی، مقرر للجنة الأسرى فیه، هذه المفردات و أبرزها، ومن بینها مثلا «الافرادة». وهی کلمة عبریة تعنی الفصل أو العزل الانفرادی، وهی تطلق على «الاکس  X » التی یوضع فیها الأسیر المعزول.

یقول قراقع الذی أمضى عدة سنوات فی السجون: «الاکس» مفردة تطلق على الزنزانة الصغیرة التی یوضع فیها الأسیر، اما للعقاب أو التحقیق. وهی صغیرة الحجم ولا تتسع لأکثر من أسیر، وتخلو «الاکس» من مرحاض، ویوضع فیها أحیانا تنکة لقضاء الحاجة، وبعض «الاکسات» وخاصة التی تستخدم للتحقیق یوجد فیها مرابط حدیدیة لتقیید أیدی وأرجل الأسیر».

ویمیز الأسرى بین «الاکس» و«الزنزانة». فالثانیة کما یصفها قراقع «حجیرة صغیرة مظلمة وقذرة، تنبعث منها رائحة کریهة وترتفع فیها الرطوبة، وتمتاز بالبرد الشدید شتاء والحر الشدید صیفا، جدرانها صماء. وقد تحتوی على نافذة صغیرة جدا تسمح بنور ضعیف، وقد تکون مظلمة تماما. ولا تحتوی الزنزانة على أی نوع من المرافق، فلا ماء فیها ولا مرحاض، وباب الزنزانة مکون من الحدید المصفح ومغلق بقفل کبیر».

وقد یجد الأسیر فی الزنزانة برشا، والمستخدم أیضا فی غرف السجن، و«البرش» تعبیر کثیر الاستخدام لدى الأسرى وهو «لفظة تطلق على الفرشة التی تعطى للأسیر بقصد استخدامها للنوم، وهی فی العادة عبارة عن قطعة إسفنج مغطاة بثوب من القماش الرقیق».

ولکن قبل أن یحصل الأسیر على البرش «ویتمتع بدفئه»، فانه یمر فی ظروف صعبة من التعذیب، ومن اشهرها ما یطلق علیه الأسرى «الشبح». وهو کما یقول قراقع : «عبارة عن تقیید یدی المعتقل بماسورة أو مربط فی حائط بحیث یبقى المعتقل واقفا ولا یستطیع حراکا سوى نقل ثقل جسده من رجل إلى أخرى. فالأسیر لا یستطیع تحریک یدیه ولا یستطیع النوم أو الذهاب إلى الحمام أو الجلوس، ویوضع على رأسه کیس خیش قذر، رائحته نتنة، وأحیانا یوضع کیس إضافی، ولا یوجد وقت محدد لمدة الشبح، وتعتمد على تقدیر رجل المخابرات الذی یحقق مع المعتقل».

ویشیر قراقع إلى نوع آخر من الشبح الذی یتم «بتقیید أیدی الأسیر على کرسی من الخلف وأیضا تقیید رجلیه وتغطیة رأسه».

وینتشر لفظ بین الأسرى هو «العروم». وهی کلمة عبریة تطلق على تفتیش الأسیر وهو عار أو شبه عار من الملابس ویعتبره الأسرى من أبشع أنواع التفتیش لما فیه من امتهان لکرامتهم.

وعندما یخوض الأسرى إضرابا مفتوحا عن الطعام، تظهر مفردات خاصة اشهرها «الزوندة». وهو یطلق کما یقول قراقع «على أنبوب التغذیة الصناعیة المطاطی الذی من خلاله یتم إدخال الغذاء السائل من حلیب أو غیره إلى المعدة مباشرة ودون المرور بالفم». ویتم استخدام هذا الأسلوب بعد أن تمضی على إضراب الأسرى أسابیع، والخطورة فیه أن الممرض أو الطبیب الذی یشرف على إدخال الأنبوب أو یدخله بنفسه، یتعمد عندما یخرجه جرح المعدة وإیذاء الأسیر. وتتم العملیة بینما الأسیر یقاوم ویرفض لأنه مصر على الإضراب. وسقط عدد من الأسرى فی أثناء هذه العملیة، قتلى، واصبحوا رموزا للحرکة الأسیرة.

یتعرض الأسرى الذین انتهى التحقیق معهم، ووضعوا فی غرف إلى إجراءات یومیة روتینیة من بینها «التمام» أو «العدد». ویقول قراقع علی «وهو الإجراء الیومی الذی تقوم به مجموعة من ضباط وحراس السجن، لإحصاء الأسرى بعدهم فردا فردا. ویتراوح عدد المرات لهذه العملیة بین 3-5 مرات یومیا تبعا لنوع المنشاة أو السجن أو معسکر الاعتقال».

وعندما یبدأ العدد یقف الأسرى صامتین ودون إبداء أی حرکة. ویتم عقاب أی منهم بالعزل فی «الاکس» إذا تحرک أو ابتسم أو أتى بأیة حرکة.

وهناک نوع آخر من العدد یطلق علیه الأسرى لفظ «التشخیص» ویتم ذلک «بالتدقیق فی صورة کل أسیر موجودة فی بطاقة خاصة لدى شرطة السجن للتأکد من شخصیته. ویجری التشخیص بإلزام الأسرى الوقوف داخل غرفهم أو زنازینهم أو خیامهم. وتحمل البطاقة إضافة إلى الصورة واسم الأسیر، اسم التنظیم الذی ینتمی إلیه، وإشارات معینة مثل (سجین خطیر) أو (محاولة هرب) أو (مرض عقلی). ویتم التشخیص فی ساعات المساء وقبل إجراء العدد المسائی».

وهناک إجراء مشابه هو «الجرد» ویتم سنویا، حیث توزع إدارة السجن طواقم من رجال الشرطة على أقسام السجن مزودین بملفات إحصاء لکل حاجیات الأسیر ولوازمه التی تسلمها من إدارة السجن، وتسجیلها باسمه فی ملفه الخاص، ویتم مصادرة أیة ملابس أو إغراض زائدة.

عصافیر الانفلاش : عادة ما یکون الأسرى یقظین لأی اختراق لمجتمعهم من إدارة السجن أو المخابرات، ویتخذون إجراءات أمنیة للحیلولة دون ذلک. فیطلقون على العملاء اسم «العصافیر»، وعلى من یصبح عمیلا «عصفر» أی اصبح «عصفورا». ومنذ سنوات تضع إدارة السجون الإسرائیلیة هؤلاء العملاء فی غرف خاصة بهم، تحت إشراف المخابرات التی تستخدمهم لإجبار الأسرى على الإدلاء باعترافات.

یقول قراقع: «ان غرفة العصافیر» هی عبارة عن «غرفة مخصصة للمتعاونین مع الاحتلال، وتکون منفصلة عن سائر غرف المعتقلین فی السجن. ولا یسمح للعملاء بالاختلاط بسائر الأسرى أو رؤیتهم، فهم لهم وضعهم الخاص والمنفصل».

أما لماذا اختیر لفظ عصفور لإطلاقه على العمیل؟ یجیب قراقع «یطلق اللفظ على الأسیر العمیل الذی یکتشف أمره داخل السجن، فیهرب إلى الإدارة کالعصفور الهارب، ویوضع فی غرفة العصافیر».

وعادة ما یتم الهروب عندما یتم «التمام» أو «العدد». فعندما یدخل ضباط السجن لإحصاء الأسرى یفر إلیهم الأسیر العمیل الذی کشفه زملاؤه.

ومجتمع الأسرى لیس حساسا فقط اتجاه العملاء، ولکن لأی أسیر یبدو علیه انه لا یطبق القواعد التی تعارفوا علیها بینهم، وتتضمن إلزام الأسیر بسلوکیات وأخلاقیات معینة، تتناسب مع ما یعتبرها الأسرى، الصفات النضالیة الواجب توافرها فی الأسیر السیاسی.

ویطلق على الأسرى، الذین لا یلتزمون بتلک القواعد، التی ترسخت، على مدى سنوات وصف «المنفلشین». وهی مشتقة من لفظة الانفلاش.

ویشرح قراقع: «الانفلاش تعبیر لوصف حالة أو سلوک أسیر، یتحلل من التزامات الواقع الجماعی المنظم أو الإطار التنظیمی، ویتصرف وفق أهوائه ومیوله الشخصیة بعیدا عن روح الجماعة والانضباط بأصول الحیاة الجماعیة فی السجن».

* کبسولات وتعامیم : ویتخذ الأسرى سلسلة من الإجراءات تنظم حیاتهم الجماعیة ومن بینها «الجلسة». وهی «تقلید أصیل لدى الأسرى، حیث یجتمعون على شکل حلقات صغیرة داخل الغرف أو الزنازین، لمناقشة مواضیع ثقافیة أو سیاسیة أو حتى أمور داخلیة. وهی أشبه بالحصة المدرسیة أو المحاضرة الجماعیة. وهناک جلسات خاصة لکل تنظیم وجلسات مشترکة، وتمتاز بالالتزام والدقة فی مواعید عقدها».

ویستخدم الأسرى أسالیب إعلامیة للتواصل فیما بینهم. وهناک لفظ یستخدم بکثرة فی هذا المجال هو «التعمیم». وهو کما یقول قراقع «موقف أو مادة تنظیمیة أو سیاسیة أو ثقافیة أو إداریة أو مالیة یتم کتابتها فی ورقة وتمریرها على غرف المعتقلین کافة، وتحمل اسم التنظیم أو الإطار الذی تنطق باسمه. وهو یمثل ابزر وسائل الاتصال بین قیادة الأسرى وقواعدهم فی السجن».

ویستخدم الأسرى «الفورة» لتمریر التعامیم. ولکن ما هی هذه «الفورة» التی تعتبر من اکثر الکلمات استخداما فی السجون؟

الفورة ببساطة، هو لفظ یطلق على المدة الزمنیة التی یسمح بها للأسیر بالخروج إلى ساحة السجن للتریض. وعادة ما تکون ساحة صغیرة، والفترة التی یسمح للأسرى بالخروج إلیها قصیرة.

وعن اصل کلمة الفورة، یقول قراقع: «ان کلمة فورة مشتقة من فار فوارا وفورانا، أی یتحرک الأسیر بقصد النشاط والحرکة بشکل دائری وفی الغالب من الیمین إلى الیسار».

ولأنه عادة ما تکون الساحة صغیرة، فلا یکون هناک مجال للأسیر إلا الدوران فیها وکأنه یدور حول نفسه. وهناک أسلوب شائع ومعروف للتواصل بین الأسرى فی أقسام السجن المختلفة ومع السجون الأخرى ومع الخارج أیضا.

ورغم انه معروف، إلا أن سلطات السجن والمخابرات لم تستطع وضع حد له ویسمى «الکبسولة». وهو لفظ مشتق من الکلمة الإنجلیزیة (capsule) أی الوعاء البلاستیکی الذی یوضع فیه الدواء ویکون رقیقا ومحکم الإغلاق، ولا یتم هضمه إلا فی المعدة، ویصعب فتحه. أما کبسولات الأسرى فهی «أوعیة من النایلون الملفوفة جیدا، تغطى بها مادة مکتوبة، والتی عادة ما تکون على ورق شفاف وبخط صغیر جدا، ویتم إغلاقها بالتسخین على لهب قداحة. ویتم وضع عنوان المادة المکتوبة على ظهر الکبسولة وتستخدم لنقل المادة المکتوبة من سجن لآخر عبر أسیر من هذا السجن إلى ذاک. فیبلع السجین الکبسولة وتدخل معدته، ویخرجها عندما یقضی حاجته، والأمر نفسه مع أسیر یتم الإفراج عنه، فیبلع کبسولة هو الآخر».

وتلعب الکبسولات دورا مهما، للتواصل ونقل المعلومات بین الأسرى داخل السجون، ومع تنظیماتهم وقیاداتهم فی الخارج.

ویتم نقل الأسیر من سجن لآخر بواسطة «البوسطة»، وهی «سیارة نقل الأسرى التابعة لإدارة السجون. وغالبا ما تکون عبارة عن مرکبة کبیرة، لا یوجد فیها سوى فتحات صغیرة جدا. وتشبه المرکبة خزانا مغلقا لنقل الأسرى، الذین یتحملون أبشع أنواع الإذلال والعقاب والضرر الصحی، حیث تکون مملوءة بالأوساخ وتنبعث منها الروائح الکریهة. وهناک مرکبات صغیرة تسمى «الترانزیت» تستخدم فی حالات خاصة لنقل عدد من الأسرى. ویشرف على البوسطة شرطة خاصة تسمى «فرقة البوسطة» یمتازون بمعاملتهم الفظة للأسرى المنقولین».

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 139301